في جولة سريعة على الإعلانات المنتشرة في الطرقات وعلى واجهة المحال التجارية في البحرين، تتأكد لك المقولة الشهيرة «اللغة العربية في خطر»، وهذه الظاهرة زادت بطريقة مزعجة في الأعوام الأخيرة، حتى بات كثير منا مندهشاً بسبب تلك الأخطاء اللغوية الفاحشة.
أكثر من تشده هذه الظاهرة المؤذية للعرب والعربية، هم من العرب المقيمين في البحرين وبعض الضيوف الذين يتقاطرون من أنحاء الوطن العربي، حتى قال لي أحدهم: «أين الدولة عن مهزلة الإعلانات واليافطات التجارية التي تهين اللغة العربية؟ لماذا لا توجد عندكم رقابة رسمية على ما يُكتب في تلك النشرات واللوحات والإعلانات التي تصيب لغتنا في مقتل؟»
إن من أبرز العوامل التي من خلالها نحافظ على هويتنا العربية هو الاهتمام باللغة العربية ذاتها، فالعربية بدأت تختفي تدريجياً من بعض المواقع المهمة في الدولة، وفي الكثير من المؤسسات الخاصة.
من أهم واجبات الدولة اليوم أن تحافظ على عروبة البحرين وعلى هويتها، كما يجب عليها أن تتشدد على ضرورة أن تُستخدم العربية في كل فضاءات العمل والتعليم، بل يجب أن تُجبر كل المؤسسات الخاصة والعامة على استخدام العربية في مخاطباتها ومراسلاتها وما إلى ذلك، وهذه هي اللبنة الأولى التي يمكن بعدها الارتكاز عليها من أجل استرجاع ما ضاع من لغة القرآن.
قبل أكثر من خمسين عاماً وفي البحرين تحديداً، كان الطلاب حين يتخرجون من السادس الابتدائي، ولقوة ورصانة لغتهم العربية، كانوا يعملون في سلك التدريس، وكانوا يُدَرِّسون العربية بكل فصاحة، أما اليوم فإن الطالب يتخرج من الجامعة وهو لا يعرف الفرق بين حرف الضاد والظاء، ولا يميز بين الكلمات الأساسية، ولا يجيد الإملاء، ولا حتى أبسط قواعد اللغة العربية.
ربما ساعدت مخرجات التعليم الحديث، ورغبات وشهوات سوق العمل أبناءنا الطلبة على هجران لغتهم، بل أصبح الطالب غير مكترث أبداً باللغة العربية، لأنها ليست ذات قيمة حقيقية في سوق العمل، ومن هنا بدؤوا -والحق معهم- في أن يقوموا باستعمال لغات بديلة، أكثر واقعية من لغتهم الأم، وهذه كارثة حقيقية تواجه الشعوب العربية قاطبة.
حين لا يجيد الشاب البحريني الجامعي أبسط قواعد الإملاء والنحو فيما يتعلق بلغته العربية، هل سنلوم بعدها المقيم الآسيوي حين يقوم بكتابة إعلانه التجاري على واجهة متجره الصغير في سوق المنامة بطريقة تبعث على السخرية؟ أم سنظل ننعى العربية ونترحم على سيبويه ونفطويه والخليل بن أحمد والدؤلي والمتنبي والعريض والقصيبي وكل الرعيل القديم من الذين حملوا العربية على أكتافهم ينشرونها عبر امتداد الأوطان والتاريخ، حتى ماتوا دونها؟ أم سنبقى نلوم هيئة شؤون الإعلام أو وزارة البلديات أو أية جهة أخرى مسؤولة عن اللغة والهوية لا تحرك ساكناً لإعلان تجاري كتب باللغة (العربية الأُرديَّة الفارسية الإنجليزية) على متجر في المنامة، منذ أكثر من عشرين عاماً، دون أن يهتز لهم جفن، بينما ذلك الإعلان، أزعج سيبويه في قبره؟ واااافشيلتاه.