رغم الجو السياسي العاصف في الكويت؛ إلا أن سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بعثت بدعوات للمشاركة في الاحتفال بيوم الانتخاب «Election day» في 6 نوفمبر 2012. لم يكن المقصود بالحدث الذي تلقيت الدعوة لحضوره في فندق الريجنسي الانتخابات النيابية بالكويت، والتي جعلنا مخاضها العسير في عيون المراقبين؛ بلداً على وشك ارتداء أزمة، وإن لم يفعل فسترتديه، وأكدت ذلك مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني التي حذرت الكويت من فقدان تصنيفها السيادي جراء تصاعد الاحتجاجات السياسية. المقصود من الدعوة كان الانتخابات الأمريكية لاختيار الرجل الذي سيقود العالم في الأربع سنوات القادمة.
حين افتتح مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني سوق الكلام تحدث عن أمريكا القوية كما كانت في عهد رونالد ريغان الذي فكك الاتحاد السوفيتي، وعهد بوش الأب الذي حرر الكويت، ثم ابنه الذي احتل أفغانستان والعراق. فقد وعدنا رومني بحضور عسكري أكبر لأمريكا في نزاعات الشرق الأوسط، مما يعني في الخليج واحد من ثلاثة أمور، أو جميعها معاً:
1- التدخل العسكري المباشر كما حدث في لبنان على يد ريغان 1982، وفي العراق على يد بوش الابن 2003، وستكون حماية مضيق هرمز وحقول النفط مبرراً صالحاً لذلك التدخل حتى نفاد آخر قطرة بترول خليجية.
2- إقامة القواعد وتوسيع التسهيلات العسكرية بما يتبعها من جعلنا رهينة لتهديدين؛ إيران كلما اختلفت مع الغرب، إضافة إلى ثغرات التواجد القانونية وعبئها الاقتصادي ودلالتها كمؤشر على عدم الاستقرار.
3- ربطنا بمشاريع التسلح الأمريكية الضخمة التي لن تشير مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني لخطرها طالما كانت الدورة المالية تخرج من باطن الصحراء وتنتهي في صناديق البنوك الغربية، وفي ذلك نزعة عسكرية لسنا بحاجة لها بعد الأزمة الاقتصادية.
ومن أجل إضاءة إشكالية من يريد الخليجيون وصوله للبيت الأبيض نحتاج لتوسيع دائرة المقارنات والقفز من برامج المرشحين العسكرية إلى برامجهم السياسية ثم الاقتصادية، لكن ثبات السياسة الخارجية الأمريكية التي يقررها الكونجرس ومراكز الأبحاث الاستراتيجية تجعل من الصعوبة القفز من القراءة التحليلية إلى الاستشرافية بيسر.
وعد رومني مواطنيه بعودة الولايات المتحدة إلى واجهة الأحداث العالمية، ومعه حق في ذلك، فقد لاحظ كثير من المراقبين أن دول الخليج رغم إمكاناتها المتواضعة كلاعب على الساحة الدولية كانت أكثر حضوراً وفعالية من أمريكا على مسرح ليبيا واليمن وحالياً سوريا، وتراجعت سي إن إن التي حركت حرب تحرير الكويت عام 1991 وفوكس التي شاركت في حرب تحرير العراق عام 2003 لتأخذ مكانها قناة العربية وقناة الجزيرة التي لن تتفاجأ ببثها في مقهى في نيويورك.
وقد لا نجرؤ على التلميح بمزاحمة دول الخليج للولايات المتحدة على الساحة الدولية، لكن روسيا والصين هما من قرر سيناريو عمل الأمم المتحدة حيال قضايا دولية راهنة وآخرها الأزمة السورية، وقد ظهرت تعليقات رومني مرتبكة ومتناقضة وساذجة في بعض قضايا السياسة الخارجية؛ بل وعدوانية تجاه العرب وقضيتهم المركزية ضد الصهاينة. فقد وعد بربط المساعدات لمصر باحترام الاتفاقات مع إسرائيل، ومع دول عربية أخرى باحترام الديمقراطية بالنسخة الأمريكية. أما تناقض برنامجه فيظهر في استعارته زي ديك تشيني اليميني البروتستنتي المحافظ، بينما رومني نفسه مبشر، رومني يحرم الخمر والخنزير ويبيح مذهبه تعدد الزوجات، وقد امتدح رومني وصول سوهارتو الدموي للسلطة في إندونيسيا عام 1967 بدعم السي آي إيه، حيث يتشابه في ذلك مع سلفه بشير المورمنز الأول «جوزيف سميث» صاحب الأخطاء الشنيعة في قراءة التاريخ، حيث كتب سميث «بالحروف المصرية المعدلة» إبان حرب المورمنز 1838م في ميزوري «أنا النبي محمد الثاني» الذي يستخدم السيف لنشر فكره (I will be a second Mohammed, whose motto in treating for peace the Sword)
كل ذلك يجعل مرافعات رومني في مجال السياسة الخارجية سطحيّة على الصعيد المعرفي، وعلى ذلك الجهل سيقام نظام أمن خليجي تكون فيه دول الخليج جبهة من جبهات العداوات الأمريكية سواء ضد منافس إقليمي أو دولي لواشنطن، فهل نريد أن نرتدي الدرع الثقيل المتعب في الأربع سنوات القادمة أم أن نرفل في ثياب السلام؟
أما البرنامج الاقتصادي للمرشح الجمهوري ميت رومني فقد ظهرت ردات الفعل المناوئة له بالمئات، وكان أوضحها حركة «احتلوا وول ستريت» والمناهضين للرأسمالية الذين قاموا بتنظيم مظاهرات عدة معتبرين برنامج رومني مدمراً للطبقة المتوسطة، وفيما يخصنا في الخليج لا تبشر سياسته الاقتصادية بالخير؛ حيث تنطلق من تعريفه الضيق للمصالح الأمريكية، التي يهددنا عبرها بأنه سيكون أكثر التزاماً وتشدداً في الهامش الذي يمكن منحه للشركاء الاقتصاديين كدول الخليج.
صحيح أن أوباما أراد التصالح مع العالم كما قال، وقام بسحب القوات الأمريكية من العراق وستلحقها أفغانستان ولم يفلح تماماً، لكنه رفض مشاركة إسرائيل في الهجوم على إيران لأسباب تحمي في النهاية دول الخليج، كما إنه تصالح مع العالم الإسلامي في خطاب جامعة القاهرة عام 2009، وحدث العرب كما لم يفعل رئيس أمريكي قبله، وأظهر أقصى درجات الاحترام في انحناءاته للخليجيين في شخص خادم الحرمين الشريفين حين قابله أول مرة في نفس العام، وصحيح أن برنامجه الاقتصادي نفذه مساعدوه بصورة ترقيعية، لكن عذره أن الكوارث العسكرية والاقتصادية كانت بسبب سياسة الجمهوريين الذين سبقوه.
ولو أن مضيفينا الأمريكان وضعوا صناديق وأوراق اقتراع افتراضية يصوت عبرها ضيفهم الخليجي لشكلنا لوبي خليجي افتراضي في غياب علاقة متوازنة مع واشنطن، ولهوى المرشح رومني في قاع اختياراتي كرئيس بسبب برنامجه الجمهوري المتطرف، وطالما واشنطن تنظر للديمقراطية لدينا كعنوان يبحث عن محتوى؛ فأبشر بالسلامة يارومني.