حين قرأت المقال الذي نشره معهد التنمية السياسية بالأمس عن ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي تذكرت الموضوع المتكرر الممل الذي ندرسه كل سنة في اختبارات مادة التعبير « كيف قضيت العطلة الصيفية؟»!
بهكذا عقلية ومنهجية تقليدية بطيئة الاستيعاب يواجه معهد التنمية السياسية ماكينة تضليل إعلامية للداخل والخارج ذات سرعة ضوئية وتعمل ليل نهار وبتخصص وبتفرغ لتوظيف الفضاء الإلكتروني بشكل مدرب وممنهج لنشر كم من المعلومات المضللة لا حصر لها مؤثرة على سير الأحداث ووعي الشباب, وكأنك تنافس آخر نسخ للعبة «الانجري بيرد» تم نزيلها على الانرويد بعصا (الصعقير ودحرويه)!! فكيف إذا كانت تساعدهم صحيفة مرخصة في حملة تضليل وخداع القواعد الجماهيرية التي تتبعهم, بشكل يضرب بالمهنية عرض الحائط؟!!.
(آخر تضليلهم -وهم كل يوم في تضليل- خبر التضامن مع «المحافظة» بعد استمرار حبسه الذي كان يقتضي نشر «الصورة» سبب التوقيف من باب الأمانة المهنية، وهي متوفرة على حسابه الخاص وليست مخفية وتم تداولها في التويتر، إنما لأن الصورة بحد ذاتها تحمل دليل الإدانة فتتجاهل الصحيفة نشر الصورة بتعمد مقصود ومع سبق الإصرار والترصد إمعاناً في التمويه والتضليل للتساوي مع حساب مجهول المصدر على التويتر، والصحف الأخرى طبعاً خبر خير ... وبدلاً من أن تنتهز الصحف الأخرى مناسبة كالوقفة التضامنية لإعادة نشر الصورة كانت في عالم آخر!!) ... ما علينا.
صحافتنا بطيئة الاستيعاب لآلية المعركة ومراكز التوعية السياسية أبطأ واستخدام الشباب للفضاء الإلكتروني جعلهم يتجاوزون الصحافة ويتجاوزون الإرسال التلفزيوني بمواقع التويتر واليوتيوب وبرامج مثل الانستجرام تنقل لك الصورة الآن وبرنامج الكيك ينقل لك الحدث الآن فلا تنتظر حتى لتنزيله على اليوتيوب، وللعلم أنا معرفتي محدودة جداً بهذا العالم إنما إنتوا وييييييين والشباب وين؟!!
من حيث «المادة» الصحيحة والمعلومة السليمة والموثقة المعاكسة لكم التضليل فإن المؤسسات والأفراد يملكون كماً كبيراً منها لمواجهة حملات التضليل الممنهجة سواء لمخاطبة الداخل أو الخارج، فالحقيقة كالشمس الساطعة يصعب حجبها، إنما من حيث آلية التواصل وسرعته وإعادة هضم المادة وبثها وإجادة التعامل مع هذا العالم الافتراضي، فإن هناك تخلفاً كبيراً جداً وهوة شاسعة تفصل بين ملاك المعلومتين، مع أن هذا الفضاء هو مكان تجمع الشباب ومكان تواجده ليل نهار، وهنا تنشط حملات التضليل بتفوق كبير.
الأمر يحتاج لقناعة أولاً بأن هذا الميدان هو من أهم ميادين التوعية ويحتاج من أجل التفاعل معه لسرعة تتناسب وسرعتهم التضليلية، ويحتاج لقاعدة بيانات رئيسة تعرف إلى من توجه الخطاب وتستهدفه، ويحتاج لتفرغ أشخاص يتفننون في نشر الخبر والصورة والمعلومة ويبدعون بالتوثيق وإعادة الإرسال وباللغتين العربية والإنجليزية. كان يجب أن يخصص جزء كبير من ميزانية معهد التنمية السياسية وهي ميزانية تبلغ مليوناً ونصف المليون دينار، لاستهداف الشباب في عقر دارهم أي في هذا العالم الافتراضي لتنمية وعيهم وإدراكهم، بحسابات تويترية ساخنة، إن صح التعبير، تخاطبهم بلغة مبسطة يفهمونها، وبتوظيف أشخاص متفرغين بدوامات أربع وعشرين ساعة لرصد الحملات التضليلية ولإعداد خطة الرد على كل مصطلح خاطئ يتعمدون بثه كالسموم في عقول الشباب، والرد على كل معلومة سياسية أو قراءة خاطئة لتشريع أو مفهوم خاطئ يتم بثه. وتقديم المصطلح الصحيح ولماذا وما هو الفرق، ومن عدة حسابات، ويجتهدون في كيفية جذب الانتباه وكيفية المشاركة، وليكونوا شباباً في مثل أعمارهم ليعرفوا كيف يخاطبونهم.
بضاعتهم بائرة بالكذب والتضليل ولكن بضاعة الصدق لا أحد يشتريها لأنها تعرض بورق أهل الكهف الذين صحوا بعد ثلاثمائة سنة وبعثوا بورقهم الذي (لا يمشي) في السوق!!!