هناك هوة كبيرة أضحت في العالم الإسلامي بين الدين والسياسة، ففي الوقت الذي يتمسك فيه الإسلاميون من السياسيين بالجمع بين الاثنين –حيث لا فرق بين الدين والسياسة– إلا أن التطبيق شيء مغاير، وذلك يكون إما عن قلة وعي في كيفية استنباط الأحكام الدينية على المواقف السياسية، أو بسبب الانسياق وراء الشعارات الجوفاء التي يرددها الغرب من ديمقراطية زائفة أو حرية تعبير مزورة.
لقد انجرفنا من حيث نعلم أو لا نعلم خلف أكاذيب الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما لو أردنا الأحكام السامية والنبيلة لوجدناها حولنا في كل مكان ولكن لا توجد بصيرة ترى ذلك، فقد ابتعد العرب والمسلمون عن كتاب الله وأحكامه وسنة نبيه، فنرى جميع الخطب السياسية تتضمن عبارات غربية محدثة لا علاقة لها بالدين، ففي الحقيقة لم ينجح الغرب في الترويج للدين الإسلامي كـ»دين إرهاب» فحسب، ولكن نجحوا بجدارة في «تحجيم دور المنهج الإسلامي الذي يقوم عليه تاريخ العرب والمسلمين منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم».
على سبيل المثال، هناك عشرات الأحاديث الصحيحة والمتفق عليها، جاءت من المنهاج النبوي تبين علاقة الحاكم بالمحكوم، وفيها حكم فاصل لا يقبل التأويل، على سبيل المثال:
- «من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية».
- «سأل سلمة بن سعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا، فأعرض عنه ثم سأله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم».
- «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».
- «خيار أئمتكم الذي تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم -تصلون أي تدعون لهم ويدعون لكم- وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك بالسيف قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة».
إن المنهج النبوي لا ينهى عن الخروج على الحاكم فحسب، بل ينهى عن طلب الحكم ذاته.
هذا من جانب، أما الجانب الآخر وهو الأهم، فهو الاحتراب الطائفي، فلم تعد هناك حرمة لكلمة «لا إله إلا الله» ولم يعد الكتاب الواحد والقبلة الواحدة والنبي الواحد شفيعاً لدى المختلفين، بل إن بعض طوائف هذا الزمان تتربى وتنشأ وتترعرع على فكرة القتل والانتقام.
في خطبة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب». وقال «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، رواه البخاري.
إننا بحاجة إلى إعادة بناء الحزب الإسلامي الصحيح الذي يسير على المنهج النبوي، بكل ما فيه من تفاصيل كرهها من كره أو رغب فيها من رغب، إن كنا نريد لهذه الأمة النهوض، فلا بد من إصلاح النفس، حتى يتغير حال الكل. ومن ناحيتي سأبدأ بنفسي أولاً.
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.