ألا يا عذابات الشيعة.. أقر لهم بذلك.. إنما ليس مصدر العذابات السلطة هذه المرة؛ بل مصدرها قياداتهم التي ضيعتهم.
صراع الرؤوس الكبيرة ضيع الجماعات، الآن فقدت الوفاق زمام السيطرة، فمن يقود خطاب الوفاق الآن؛ خصوصاً تغريداتها هم مراهقو حركة حق، فلا يمكن أن تتخلى الوفاق عن رزانتها إلى هذا الحد الذي تسير عليه في تغريداتها ما لم يكن مراهق لا يزيد عمره العقلي على 16 سنة هو الذي يكتبها ومقطوع العلاقة بالواقع المحلي والدولي ويخاطب جمهور من الصبية والمراهقين.. ضاعت فلوسك يا أمريكا هدراً!!
انتهت محاولة الولايات المتحدة الأمريكية لاستنساخ النموذج العراقي في البحرين، فمن استثمرت فيهم فقدوا أي أثر في الشارع، وهم اليوم في محاولتهم للإمساك بزمام الشارع، كمن يحاول أن يسيطر على الحمار من ذيله.
علي سلمان بضعفه وتردده وعيسى قاسم بعزلته؛ أضاعوا البوصلة فانقادوا جميعاً بأفنديتهم بالدمى الأمريكية الصنع، كلهم اليوم يقادون من قبل مجموعات من خصومهم التقليديين وعلى رأسهم الشيرازيين.
لقد نجح مشيمع وعبدالوهاب حسين في فرض إرادتهما بالكامل على عيسى قاسم والوفاق، لذا فإن ثقل الصراع اليوم انتقل من الوفاق والدولة إلى المجموعات الإرهابية التي تتركز الآن في العكر والدولة، معركة الدولة اليوم هي بين الدولة وبين الإرهاب، تخليص أهل العكر الذين تركتهم الدولة تحت نير إرهاب لأكثر من عشر سنوات دون أن تتدخل هو ما تواجهه الدولة اليوم.. وإن شئتم الدقة تركتهم لأكثر من 200 عام دون أن يكون لها حضور في ذلك المربع الصغير المسمى عكراً.
نامت العكر على أفكار متزمتة متشددة مهووسة بالطوباوية والغيبية، وتعد اليوم لتكون بؤرة إرهاب تتحقق منها النبؤات، لتصحو الدولة على تصعيد إرهابي جاء استجابة نتيجة الضغط الذي تتعرض له طهران الحاضنة الأم لتلك الجماعات الإرهابية، فأظهرت تلك المجموعات قوتها ولامت الوفاق على خسائرها، اليوم سيظهر كل ما كان (مخزناً) ومعداً لهذه اللحظة؛ أي لحظة المواجهة الحاسمة لقيام دولة الغائب!
يجري الآن في العكر معالجة خطأ تراكمي طويل تركت فيه الدولة مناطق دون أثر لها فيه.
اليوم الدولة.. المؤسسات والقانون في مواجهة وكر الإرهاب، تكون أو لا تكون معركة الدولة المؤجلة.
(هستيريا) التصريحات والتغريدات والحراك الدولي هو لمنع اقتحام وكر الإرهاب الذي عانى منه أهل العكر قبل غيرهم، محاولة للضغط على الدولة كي تتراجع، محاولة لحماية وكر الإرهاب.
الدولة اليوم بكامل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وبمؤسساتها المدنية تحاول أن تعالج أكبر خطأ ارتكبته في تاريخها حين صمت الجميع وسكتنا وتركنا للفيل أن يكبر داخل غرف نومنا، معتقدين أن وجوده داخل الغرفة يحد من خطره.
اعتقدت الدولة أن الصراعات بين التيارات الشيعية الدينية كفيلة بإشغالها وتحجيمها، فلعبت أغبى لعبة، وهي أنها تركت مسؤولية تحجيم هذه القوى للزمن أو للصراعات فيما بينها، ونسيت أن تحدد للاعبين حدود الملعب وأطره الدستورية، صراع الخصوم لعبة ناجحة لأي نظام إنما لا يترك دون تحديد أطر الملعب، أن تترك للخصوصية المذهبية أن تختلف أو تتصارع فيما بينها ممكن، إنما ضمن حدود الأطر الدستورية وضمن حدود تضعها الدولة بقوانينها، فلا يسمح للاعب أن يتحرك إلا ضمن القانون وتحت مظلته وبشروط القانون، فلا يصرح أو يجتمع أو يؤسس أي حراك إلا مسجلاً ضمن المظلة القانونية، وما لم يكن ذلك فإن الحراك يقع تحت طائلة القانون، إنما الدولة تراخت في فرض هيبة القانون وتركت كل الفرقاء يتحركون بلا حدود وبلا أطر، فخلقت دويلات داخل الدولة؛ «فدولة العكر والنويدرات الكبرى» سيطر عليها عبدالوهاب حسين، وقد خاضت تلك الدولة معارك مع دولة «الدراز» على قيادة الشارع الشيعي النشط، وواجهت المجلس العلمائي بأجمعه، ولن ننسى ما قاله الغريفي قبل 14 فبراير بأيام حين تطاول عبدالوهاب حسين على عيسى قاسم فحذره الغريفي: «إن هذا الكلام مجرد مدخلٍ أردت من خلاله أن أمهّد لحديث يتناول بعض الإثارات المتحركة في الساحة والتي حاولت أن تنال من الشيخ عيسى قاسم، محملةً بذرائع النّقد والمحاسبة، وتصحيح أوضاع القيادة الدينيّة، ولا تعنيني هنا الإثارات المنفلتة، والمجهولة الهويّة، والتي تزدحم بها المواقع الإلكترونية، وإنّما تعنيني الكلمات الواضحة الهوية والمصدر، ولنا حولها ملاحظاتٌ ومؤاخذات» (الوسط 1 يناير 2011)
إنما يبدو أن عبدالوهاب حسين نجح في السيطرة بالكامل على عيسى قاسم وتحجيمه حتى وهو في سجنه!!!
وصراع النويدرات والدراز له جذور قديمة رغم أن عبدالوهاب حسين كان الطفل المدلل قبل أن يزيحه علي سلمان، وفي حين أن هناك خصومات من نوع آخر بين التيارات الشيعية الدينية كالصراع بين تيار الدعوة وتيار الشيرازيين على تحصيل الخمس، والذي يعود للثمانينات من القرن الماضي، وكتب علي الفونه في 14 أغسطس في مجلة السياسات الدفاعية والخارجية الأمريكية بحثاً جميلاً بهذا الخصوص ذكر فيه ملامح من ذلك الصراع «يكمن ردّ جذور المنافسة بين التيارين إلى التنافس السياسي والاقتصادي بين النجف وكربلاء، وبالأخص بين آية الله محمد الشيرازي في كربلاء والمؤسسة الدينية في النجف. وفي الستينات من القرن العشرين، تقرب آية الله الشيرازي من آية الله العظمى الخميني الذي كان منفياً في العراق من أجل مواجهة المؤسسة الدينية في النجف، كما وكلّف ابن أخيه هادي المدرسي، الذي كان يحضر محاضرات الخميني السياسية في النجف، بجمع الخمس من الشيعة في البحرين، وهو عبارة عن فروض ضرائب سنوية بقيمة الخمس من الربح. وحدث أول الأمر أنّ الشيخ قاسم وآخرين من طلاب آية الله الصدر قد تجاهلوا نشاطات الشيخ الشيرازي في البحرين. بيد أنه حين تقدم المدرسي بطلب جنسية بحرينية في سنة 1974، أدرك نشطاء الدعوة بأن الشيرازيين ما أتوا إلى البحرين إلا كي يبقوا. وهكذا أصبح كل خمس دينار يجمعه آية الله الشيرازي بمثابة دينار يخسره ممثلو آية الله الصدر.
وسرعان ما اندلع صراع عنيف بين الفصيلين حول الاستحواذ على أموال الخمس الشيعية. وتسابق الشيخ قاسم والمدرسي فيما بينهما من مسجد لآخر ومن مأتم لآخر في سبيل جذب أكبر عدد ممكن من التابعين ومن أموال الخمس» انتهى.
أما صراع تيار المدني والتيار الإخباري فمعروف، ثم تحول الصراع مع الشخصيات المهجنة من إخباريين وأصوليين بين أجنحة حزب الدعوة الأصولية والمدنيين، وهو صراع سالت فيه دماء حول السيطرة على المآتم والمساجد.
وقد اشتكى المدني من ضعف الدولة وهشاشتها في التعامل مع الإرهاب الذي تعرضوا له من قبل جماعة عيسى قاسم، في حين وقفت الدولة تتفرج.
اليوم لا يدفع تيار المدني الثمن وحده، اليوم كلنا ندفع الثمن نتيجة غياب استراتيجية شاملة ورؤية واضحة للتعامل مع حراك الجماعات الدينية ووضوح الموقف من تداخل صلاحية المنبر الديني مع المنبر السياسي، اليوم ندفع ثمن غياب استراتيجية التعامل مع الأقليات في دول مجلس التعاون لا في البحرين فحسب.. وهذه هي النتيجة؛ دويلات بقوانينها بمليشياتها بتبعيتها لإيران الظاهرة والسافرة والعلنية.
يستطيع الوفاقيون أو المدنيون قول ما يشاؤون ويلقون باللائمة على السلطة ونحن معهم كذلك، إنما ضياعهم هم كقيادات كان قبل ضياع السلطة وقبل ضياع الدولة، فقدان البوصلة هم مصدره وأضاعوا معهم الجماعات الشيعية وسط الموج الخليجي الكبير ويتحملون مع الدولة ذات القدر من المسؤولية.
صراعهم قضى عليهم وقضى على أي أمل في اندماج جماعتهم وذوبانهم في محيطهم العربي، وترك الشيعة عرضة للعزلة والاضطهاد بعدما حملوا بذنب قياداتهم.
اليوم يمر الشيعة في الخليج بأسوأ مرحلة مرت عليهم بسبب تخبط قياداتهم وانقيادهم بالكامل للدولة الفارسية.
فهل فات الأوان للإصلاح؟
في اعتقادي أن اليوم هو فرصة جديدة للخلاص من الإرهاب الذي قبع على صدورهم لسنوات، اليوم فرصة لعودة الإنسان البحريني الشيعي المسالم القروي الطيب المنسجم مع نسيجه البحريني، على الدولة اليوم استنهاض هذه الروح وهي تعزل الورم.
الدولة لها دور كبير في تربية تلك الأفيال الصغيرة داخل غرف نومها وإطعامها حتى كبرت، ودورها اليوم أكبر في لملمة هذا الشتات تحت مظلتها الوطنية.
دور السلطات الأخرى أيضاً لابد أن يكون واضحاً؛ أين مجلس النواب؛ أليس من المفترض أن يأخذ زمام المبادرة مع السلطة التنفيذية؟ أين مؤسسات المجتمع المدني؛ هل تكتفي بالتفرج؟ لتبدأ من العكر، لتفك الحصار عنها، حصار الإرهاب والعزلة.
اليوم هو يوم الحسم لإعادة الاعتبار للدولة الأم الشاملة والجامعة، والذي أفاقت به الدولة من غفوتها متأخرة أكثر من عشر سنوات، والمعالجة لابد أن تكون حازمة بلا تراجع ولا تردد وبمشاركة المجتمع بمؤسساته، الحسم الأمني في العكر لا يزيد عن فتح الوكر؛ أما تنظيفه فتلك قصة أخرى.
^ خارج السياق..
نظراً للتجاوب الجميل للشركات البحرينية الأصيلة مع دعوتنا للمساهمة في برنامج اكتشف البحرين، وحرص العديد منهم على المشاركة؛ سنعلن بعد العيد إن شاء الله عن أسمائها بالتفصيل والمبالغ التي ساهمت بها.
لكم مني كل التقدير وألقاكم بعد العيد إن شاء الله.. وكل عام وأنتم بخير.