من الواضح أن هناك بدايات للتحرك نحو الحوار الوطني والمصالحة بجهود ذاتية محلية، بعد أن أدرك الجميع أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولا يمكن تحمل تبعاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هناك مؤشرات عديدة على بداية التحرك للتمهيد لمثل هذا الحوار الضروري والعاجل، وقد ترجمت لقاءات وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة مثل هذا التوجه من قبل السلطة، كما إن أغلب مكونات الحراك السياسي وفي مقدمته المكون المعارض باتت تؤكد صراحة على استعدادها للمشاركة في الحوار “دون شروط” مسبقة. “الوفاق” وهي القوة الرئيسة في المعارضة أصبح خطابها السياسي أكثر مرونة، واستعداداً للقبول بمعادلة واقعية للحوار الوطني الجاد، للوصول إلى حلول واقعية، طالما أنها تسير في طريق تحقيق المطالب الرئيسة للإصلاح السياسي.
حرص الدولة من جانبها على أن تكون مواجهتها لمظاهر الفوضى والعنف، بقدر كبير من رباطة الجأش والصبر والحذر مؤشراً إضافياً على الرغبة في عدم التصعيد إلى المدى الأقصى الذي يسمح به القانون. كما شكل لقاء سمو الشيخ محمد بن مبارك نائب رئيس مجلس الوزراء بعدد من كوادر الوفاق “بطلب منهم” مؤشراً إضافياً وإيجابياً على وجود رغبة في التحرك نحو حل سياسي للخلاف حول نوع الإصلاح السياسي ومحتواه ومداه وإطاره المرجعي الطبيعي.
وإذا كنا قد بينا في مقال سابق مؤشرات التطور في خطاب المعارضة، باستيعابها لمتطلبات الحوار على صعيدي الشكل والمضمون، فإن خطاب السلطة يبدو مؤكداً على نفس الثوابت التي سبق لها تقديمها منذ بداية الأزمة وهي:
- حوار بدون شروط مسبقة
- حوار يشارك فيه الجميع.
- حوار ينطلق من الثوابت الوطنية، ومن ما استقر في ميثاق العمل الوطني والدستور.
- حوار بدون تدخل أجنبي أو وساطات خارجية.
- حوار ينبني على التوافق وتعزيز الديمقراطية والمشاركة. والعمل المستمر على استكمال تنفيذ توافقات الحوار الوطني التي دشنت فصلاً جديداً من الإصلاح والتطوير، ومواصلة العمل على متابعة تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والمبادرات والإجراءات الواسعة التي اتخذتها الحكومة، ضمن إطار رؤية تركزت على إرساء دعائم القانون، وتكريس روح المصالحة، وتعزيز الحريات وحقوق الإنسان.
هذه الثوابت أعاد التأكيد عليها وزير العدل، الذي يقود حالياً محاولات الحلحلة السياسية، تمهيداً لهذا الحوار المرتقب، ومن المهم أن نستخلص من خطابه عناصر البروتوكول أو الإطار المساعد لإطلاق الحوار الوطني الواسع والشامل والذي لا يسمح له بالفشل، ومن أبرز عناصر هذا الإطار الذي لا نتوقع أن لا يرفضه عاقل واحد:
أولاً: الالتزام الجاد بالمراجعة والمحاسبة الذاتيتين من قبل الجميع من خلال القراءة الموضوعية غير المجتزئة للأزمة وتداعياتها، ولنتائج وتوصيات تقرير لجنة التقصي، في إطار ما تفرضه المسؤولية الوطنية على عاتق جميع الأطراف.
ثانياً: التزام الجميع بالمشاركة الجادة في تدعيم أجواء الثقة والمصالحة، والدفع بالتفاهمات في مجال العمل السياسي بالمشاركة الفعالة في تهيئة الأجواء الإيجابية، الداعمة لتطوير وتقدم العمل السياسي، من خلال تبادل الآراء بين جميع المكونات والأطياف، والتواصل واللقاءات الوطنية المشتركة التي من شأنها أن تسهم في تعزيز الثقة المتبادلة، والتفاهمات في المجالات السياسية، بما يعزز المكاسب والتقدم من خلال المؤسسات الدستورية والبناء على المنجزات.
ثالثاً: ضرورة نبذ العنف ورفضه بصورة حاسمة وحازمة، شرط أساسي لمثل هذا الحوار، فحرمة أمن الوطن واستقراره وسلامة المواطنين والمقيمين فيه هي حرمة ثابتة ومقدسة، لأن اتخاذ العنف والتخريب كوسيلة لفرض أجندة سياسية لا يمكن أن يعبر عن نهج لطلب الإصلاح والتطور.
رابعاً: الالتزام بنوع هادئ من الخطاب السياسي المتزن، الملتزم بالطرح الوطني، في إطار الاحترام المتبادل الذي يجسد روح التآخي والمحبة، التي جبل عليها هذا الشعب، وبما يرسخ قيم الاختلاف البناء، والانفتاح على الآخر والاستماع له، بعيداً عن خطابات التحشيد والتخوين والإقصاء