من المؤكد أن حضور الرئيس المصري محمد مرسي قمة عدم الانحياز في طهران يشكل في حد ذاته حدثاً بالغ الأهمية ليس بالنسبة لمصر فقط، وإنما بالنسبة لطهران أيضاً، فبالنسبة لمصر فإن هذه المشاركة «سواء من حيث شكلها أو من حيث مضمون ما قاله الرئيس المصري في كلمته» تصب في استعادة مصر لدورها الإقليمي والدولي، في إطار موقفها ورؤيتها المستقلة، بعيداً عن الضغوطات والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بوجه خاص، على هذا الدور، والعمل على تحجيمه وسجنه في أفق الفلك الأمريكي، فهذه المشاركة إعلان صريح عن حرص مصر ما بعد الثورة على أن تكون حاضرة في إقليمها وفاعلة فيه، بعكس خيار الانعزالية الذي ساد إبان السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك.
وبالنسبة لإيران فإن حضور مصر ما بعد الثورة إلى طهران، بعد غياب تجاوز 30 سنة يحقق لها مكاسب سياسية وإعلامية كبيرة في الداخل والخارج، في إطار جهودها لكسر العزلة السياسية التي تحاصرها بفعل سياساتها وخياراتها، خصوصاً أن العلاقات المصرية الإيرانية قد سادها التوتر منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، على خلفية توقيع مصر مُعاهدة السلام مع إسرائيل، واستضافة الرئيس أنور السادات لشاه إيران في مصر عقب اندلاع «الثورة الإيرانية»، ثم دعم مصر للعراق في حربه مع إيران، واتهام إيران برعاية الإرهاب في الشرق الأوسط، وبدعم الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر، إضافة إلى الاختلاف والتباعد بين البلدين خاصة مع احتدام الخلاف بينهما حول قضية أمن الخليج العربي الذي تعمل إيران على زعزعته باستمرار، وابتزاز دول الإقليم قي سياق معركة النظام المستعرة من أجل الانتشار والتوسع والهيمنة ونشر الفكر الطائفي.
وإذا كانت اللغة المصرية الرسمية قد تغيرت بعض الشيء بعد الثورة المصرية من العلاقة مع إيران، فإن الموقف الرسمي المصري لم يغير بعد حتى تاريخه، وإذا كانت هذه اللغة قد باتت أكثر انفتاحاً ومرونة واستعداداً للتفاهم في سياق ميزان القوى الحالي الذي أظهر 4 قوى أساسية فاعلة في المنطقة «السعودية ومصر وتركيا وإيران» لا يمكن تجاوزها في أي حل لقضايا الإقليم، بل ومن الصعب حل أي مشكلة في المنطقة خارج التفاهم بين هذه القوى الفاعلة، فإن مصر لاتزال تدرك أن النظام الإيراني يلعب دوراً سلبياً في المنطقة، ولا يساعد على بناء التفاهم والاستقرار والسلام في إقليم الخليج العربي تحديداً، والذي تصر إيران على الهيمنة عليه، والتدخل في شؤون دوله الداخلية، بإثارة النعرات الطائفية تحت شعارات نشر «الثورة الإسلامية».
صحيح أن مصر يجب أن تعود لدورها القيادي على المستوى العربي والإسلامي، بعد أن فقدت هذا الدور في ظل النظام السابق، وأن مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران باتت مرهونة بأوضاع إقليمية ودولية وداخلية مُتشابكة، وأنها ستكون أكثر ارتباطاً بهوية النظام الجديد في مصر، وليس هناك أدنى شك أنه في حال عودة العلاقات المصرية الإيرانية سيحمل ذلك الكثير من الآثار المرتقبة إقليمياً ودولياً، وستتغير معها صورة الخريطة الجيوسياسية في المنطقة على الأرجح، لكنها في نهاية المطاف ستظل معلقة على حقيقة وطبيعة نوايا النظام الإيراني، التي لاتزال تعلن عن عدائيتها بشكل فج ومباشر في الإقليم الخليجي، ونرجو أن يكون لمصر دور مهم في تحجيم هذه العدائية، واستعادة طهران إلى سياق التعاون العربي الإيراني لما فيه صالح شعوب المنطقة.
همس: نظام الفبركة الإعلامية
إذا كانت مرجعية النظام السياسي الديني الإيراني هي الإسلام العظيم والقيم الإسلامية الفاضلة، فكيف نفسر كذب الإعلام الإيراني الرسمي بشكل منهجي، ومن خلال القناة التلفزيونية الأُولى الرسمية التي تعمّدت تحريف خطاب رئيس أكبر دولة عربية في مؤتمر عالمي رسمي، بحضور ممثلي 120 دولة، بهدف تشويه صورة البحرين والتحريض عليها، والعمل على تزييف وعي الشعب الإيراني في الداخل؟
التفسير الوحيد هنا هو أن الغاية تبرر الوسيلة بالنسبة لهؤلاء وأن المرجعية الدينية التي تملأ الدنيا بالحديث عن القيم والشرف والصدق والنزاهة قد أصبحت تُجيز وتُبيح الكذب والفبركة والتزييف والتحريف؟
إنها فضيحة في عصر «الثورة الاتصالية» ولكنها تفسر لنا الكثير من الحقائق حول ثقافة الفبركة، التي تعم القنوات الفضائية التابعة لإيران لخداع الشعب الإيراني.. الذي تابع الفبركة ولم يفهم في سياق هذا التحريف مثلاً: لماذا انسحب الوفد السوري من الجلسة طالما أن الرئيس مرسي لم يأتِ على ذكر سوريا مثلاً؟؟؟ عجيب والله!!