تحدث الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز عن موضوع «الحرب غير المتماثلة» طوال سنوات مضت قبل أن يقضي نحبه، وكان في 2005 قد أمر ضباطه بتعلم هذه النوعية من الحروب وتطوير أساليبها.
هذه الحرب باختصار هي «الإكراه على قبول إرادة العدو». والهدف هو إنهاك الدولة وتآكلها ببطء وإضعافها، وهي عملية متسلسلة تمر بمراحل ترغم المستهدَف على قبول التنازلات شيئاً فشيئاً، ومن ثم الخضوع وتنفيذ إرادة الخصم.
ورغم وجود الحروب في المنطقة، التي تخوضها الجيوش الأمريكية أو الأوروبية خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن هناك حروباً أخرى كانت متزامنة وقائمة على قدم وساق، تخاض بالتوازي مع تلك الجيوش التي تتحرك، وأعتقد أننا وصلنا الآن إلى مرحلة تكاد فيها الحروب التقليدية تندثر بسبب تلك الحروب من الجيل الرابع.
يقول البروفيسور ماكس مانوارينج الأستاذ والباحث في الاستراتيجية العسكرية في إحدى محاضراته في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل بمناسبة المؤتمر السنوي لأمن نصف الأرض الغربي في أغسطس الماضي إن «السلاح في مثل هذه الحروب هو القوة العقلية أو القوة الذكية، وليس قوة النيران»، ويتساءل موضحاً ذلك: «ما الذي أسقط جدار برلين؟.. الدبابات؟.. المدفعية؟».. ويجيب نفسه قائلاً: «بالطبع لا.. زعزعة الاستقرار التي تأخذ صوراً متعددة والتي ينفذها مواطنو الدولة العدو.. والإكراه هنا يؤدي إلى خلق دول فاشلة!».
يعني هنا بـ»الدولة الفاشلة» هو أن جزءاً من الدولة -سواء كانت جزءاً من الأرض أو جزءاً من المواطنين- لا يخضعون لسيادة الدولة نفسها، ما يؤدي إلى وجود إقليم أو أقاليم غير محكومة، أو بالأحرى محكوم ولكن ليس من الدولة بل من أعدائها! وقس على ذلك.
ويتابع ماكس مانوارينج قائلاً: «إنها مجموعات غير تابعة للدولة.. محاربة وعنيفة.. وشريرة.. وبهذا تخلق دولة فاشلة.. ثم تتدخل لتحكم هذه الدولة.. بل ربما أبعد من ذلك».
ولذلك، فإن أي متتبع، يستطيع أن يرى هذا النوع من الحروب التي تخاض في الوطن العربي برمته، وهي نتاج لسنوات من التخطيط والتدبير، موجودة في العديد من الدول، لكن بصيغ وشخوص وتوجهات مختلفة.. مختلفة شكلاً ولكنها في القالب ذاته.
في هذه الحالة، وفي هذه الظروف المعقدة، لابد لكل من يقول إنه «ثائر»، أو الذي أخذ صفاً في هذه المعمعة السياسية مع حزب أو توجه، أن يبحث تحت قدمه، فقد يكون بيدقاً ينفذ أجندات أخرى تهدف لضربه قبل الآخرين!
رغم مرارة الاعتراف، فإن الواقع يقول إن «الربيع العربي» لم يكن سوى حرب من الجيل الرابع، خاضتها الشعوب بنفسها لمصالح أخرى، غير المصالح التي كانت تبحث عنها وتطالب بها!!
إن الثورات لم تأتِ إلا بالفوضى، والتراجع الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والانقسام الطائفي، بل لم تخلق سوى دول فاشلة.. أو تكاد تكون فاشلة.
اللهم احفظ البحرين.