دون أي مقدمات سأل «ها اختي شخبارج؟ للحين خونه لو وويش؟»، اسمه أحمد.. مواطن بحريني يختلف عنا في التوجه والفكر وتجمعنا معه ساحة الفيسبوك المشتركة وفضاؤها المليء بالمواضيع الوطنية المتقاطعة، سألته من باب الاستفزاز والاستهبال المتعمد «من للحين خونه؟ تقصد من؟، فرد باللهجة البحرينية «احنا!».
رددت «انتو من؟»، فأجاب بعبارة غريبة «الشعب»!!، وكأنني لست من الشعب وسقطت من معادلته سهواً!! وكأن هناك من زرع في فكر أحمد أنه وجماعته كل الشعب ونحن خارج!! أجبته «أنا من الشعب أيضاً فهل اعتبر من الخونة مثلاً؟».
فقال إجابة غريبة «لا طبعاً بس المعارض للحكومة في فكرك خائن!! لو تبدلت القناعة من مارس 2011 لا أدري».
أجبته «كلمه المعارضة كلمة مطاطية.. شخصياً أنا أعارض الكثير من الأمور؛ أعارض بناء أكبر كنيسة في مملكة البحرين مقابل تعطل الملف الإسكاني، وهو قرار صدر من فترة.. بعض النواب عارضوا عدم تطبيق القوانين وتفعيلها على الإرهابيين فهل نعتبرهم خونة؟ اتجهنا جميعاً إلى مسجد الفاتح لمعارضة عدم تطبيق وتفعيل القوانين بالوطن فهل نحن خونة؟ ذكرت في إجابتك بالبداية الشعب ثم تغيرت الكلمة إلى المعارض الحكومي!!».
فرد «كيف؟ أنتم تسمون المعتصمين خلال فترة فبراير الماضية خونة، والمعارضة الحقيقية أنت تعرفينها وأنا، لا يحتاج أن نجامل ونفسر!!».
انتهى باب النقاش تقريباً هنا، ولم يكن مستغرباً الفكر المتناقض الذي يختزن بعقل أحمد وهو يدعي أنه يعرف المعارضة الحقيقية، لكن المستغرب جداً كانت إجابته «للحين خونه.. احنا الشعب!! المعارض الحكومي».
مؤسف جداً أن يبلغ شبابنا عتبات متقدمة في العمر والتي من المفترض فيها أن يرافقها النضوج وحسن المعرفة، فيما هو مازال يجهل الفرق بين المعارضة الوطنية «الحقيقية» والإرهابية، ومايزال يجهل مفهوم المعارض الحقيقي الذي لا يجامل الحق أو يفسر إحراقه للشوارع على أنه معارضة ومطالبة.
أحمد شاب من شباب البحرين يخلط بين مفهوم الخائن والمعارض ولديه التباسات كبيرة في هذا الجانب، فهو يظن أن كل من خرجوا للتظاهر باعتصامات غير مرخصة خلال فترة فبراير المؤسفة معارضين للحكومة، في حين هم في عرف القانون مخالفون وإرهابيون!! ويغيب عنه مفهوم المعارضة الوطنية الحقة التي تكون للحكومة كما المرآة تعكس كل شيء يعرض أمامها من إيجابيات وسلبيات، المعارضة الوطنية التي تظهر وتنتقد بشدة الفساد المالي والإداري ومسلسلات النهب والدعارة، وتعطل المشاريع الإسكانية ودفان السواحل وعدم تطبيق القوانين وتفعيلها، خصوصاً قانون العقوبات البحريني وغيرها من الملفات الدسمة، وبنفس الوقت تعكس أيضاً المنجزات وتشيد وتشكر عندما تجد المرتكزات الإيجابية والفوائد التي تعود على الجميع بالنفع دون أي تمييز أو تفرقة!! المعارضة التي تقول عندما تحسن الحكومة أحسنت وعندما تخطئ أخطأت، معارضة لا تجامل ولا تماطل؛ بل عادلة وميزانها السياسي معتدل الكفة متزن المواقف نحو إيجابيات وسلبيات الحكومة!
أحمد يختزل نفسه ورفاقه في كلمة «الشعب»، ويجهل أن كثيراً ممن لم يتجهوا للاعتصام خلال أزمة فبراير الماضية هم من الشعب أيضاً يعتبرون من ألد المعارضين لكثير من القرارات الحكومية، لكنهم يختلفون عن أولئك المتظاهرين بالشوارع دون قانون بأنهم مع الالتزام بالأنظمة والقوانين وفي تقديم الاعتراض عبر القنوات الرسمية وبالطرق الصحيحة دون إلحاق الأذية بأحد ودون تعطيل الشوارع وإغلاقها بالإطارات الحارقة، ودون تعريض حياة الآخرين الذين قد يكونوا غير معارضين ويختلفون عنهم للخطر، هذا هو مفهوم «المعارضة الحقيقية» ككلمة لفظها أحمد وزعم أنه يعرفها فيما هي بالواقع غائبة عنه تماماً!
نقول لأحمد وغيره من الشباب الذين يلتبس عليهم مفهوم المعارضة الوطنية الحقيقية؛ شتان بين معارضة وطنية تعارض أي خطأ يجري بالوطن وتدرك تماماً أنه لن يعود على الوطن بالضرر فقط، بل إنها هي من ستشرب من كأسه مع بقية الشعب أيضاً، معارضة وطنية تدرك أهمية أن لا تنقلب مسلسلات معارضتها إلى معارضة إرهابية ميدانية تقطع الطرق وتبتعد عن نضج الاعتصام والرشد القانوني والطرح السياسي المتزن.. إلى معارضة أنانية تريد اختطاف الشارع كله واختطاف كل المنجزات وتحويلها إلى سلبيات وتعطيلها، واختطاف الشعب كله وبيان أنها هي وحدها الشعب، معارضة إرهابية تقبل بنشر القنابل بين ضواحي الوطن وسفك الدماء وسحق رجال الأمن.
من يقوم بذلك يا أحمد ليس من المعارضة الحقيقية؛ بل هو متظاهر متجاوز للقانون وخائن يتآمر مع الغريب على إخوانه ومنزله وجيرانه، ويتعاون معه في الإرهاب من أجل الحصول على غنائم سياسية واقتصادية يظفر بها لوحده، من يقوم بذلك يريد هدم دولة المؤسسات والقانون واستبدالها بدولة المخالفات والمتظاهرين!!
الخائن هو من يدعم قلب المملكة إلى جمهورية، ويتجه للخارج ضمن وفود رسمية عديدة من أجل النيل من سمعة الوطن وتحطيمها بعد أن رفض الحوار ورفض إيقاف العنف والجلوس على طاولة المصلحة الوطنية، وقبل كل ذلك رفض الحقيقة التي تبين له أنه ليس وحده الشعب بل هو مجرد جزء منه، نعم هؤلاء هم خائنون ولا نعتبرهم بالأصل معارضين، بل مجرد متظاهرين مخالفين للقانون بعيدين جداً عن أبجديات المعارضة الحقيقية وألف باء المطالبة المشروعة بالحقوق.
لن يفهمنا أحمد الآن؛ فهو مخدوع بمعنى المعارضة وأسلوبها، وهو مغلوب على أمره في مسألة فتح عينيه وإدراك طريقة المعارضة الصحيحة التي لا تحتاج إلى مجاملة وتفسير، قد يحتاج لسنين طويلة لتحكيم عقله والابتعاد عن رمي العبارات المطاطية التي تعمم الأمور والأشخاص بمصطلحات عامة واسعة غير دقيقة، وقد يحتاج لسنوات أكثر للقفز من عتبة الفكر السياسي الضيق والأوحد الذي لا يدرك حقائق الأمور للوصول إلى عتبة النضج والنظرة الواسعة الشاملة لكل من في الوطن من شعب.