في مثل هذه الأيام من كل عام يصدر ديوان الرقابة المالية تقريره السنوي الذي يسلط فيه الضوء على الأداء المالي والإداري لوزارات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها، وهو يقوم بهذه المهمة المكلف بها بمهنية عالية ووفقاً للمعايير الدولية؛ إذ يرصد كل المخالفات والتجاوزات التي يسجلها موظفوه من خلال اطلاعهم المباشر على السجلات المالية والإدارية لوزارات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها.
اللافت للنظر والمثير للاستغراب أن كل التقارير التي أصدرها ديوان الرقابة المالية منذ إنشائه في عام 2002 وحتى الآن كانت حبلى بالعديد من التجاوزات والمخالفات المالية والإدارية والتي لم تستثنِ وزارة أو مؤسسة أو هيئة حكومية، وهذا يعني ببساطة شديدة أن بعض المسؤولين في وزارات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها لا يهابون ديوان الرقابة المالية ولا يعيرون أي اهتمام للتقارير السنوية التي يصدرها كل عام، بدليل استمرار هؤلاء المسؤولين في ارتكاب العديد من التجاوزات والمخالفات وفي وضح النهار وعلى عينك يا تاجر، وكأن هذه التقارير لا تعنيهم لا من قريب أو من بعيد.
لذا فإن المراقب للمصروفات الحكومية خلال السنوات الماضية يستطيع أن يلاحظ بسهولة أن معدل الفساد في وزارات الدولة لم يتغير ولم يتراجع عن مستواه مع وجود ديوان الرقابة الذي كان لإنشائه في البداية صدى إيجابي في الشارع البحريني، إذ شعر المواطن أن وجوده سيسهم في الحد من التجاوزات المالية والإدارية لكن -وللأسف- خاب ظنه عندما رأى أن تقارير ديوان الرقابة المالية لم تؤتِ بثمارها، فهي لم تثنِ المسؤولين ولم تردعهم عن ممارسة التجاوزات، وكان تأثيرها محدوداً فهي لم تحد من هذا الفساد المستشري في تلابيب بعض وزارات الدولة ومؤسساتها ولم ترتقِ إلى مستوى يجعل منها ذات تأثير في الحد منها، وباتت تؤرق الكثيرين في المجتمع الذين كانوا يتأملون في أن يكون لديوان الرقابة المالية دور كبير في انخفاض منحنى التجاوزات المالية، لكن الذي حصل هو أنه مع وجود ديوان الرقابة فإن هذا المنحنى شهد ارتفاعاً ملحوظاً لدى بعض الوزارات والمؤسسات ووصلت التجاوزات إلى مستويات عالية وكادت أن تصل إلى حد «الفضيحة المالية».
وقد حمّلت التقارير بعض المسؤولين في الوزارات المسؤولية الكاملة عن ارتفاع معدل هذه التجاوزات والمخالفات، وفي ظل هذه الارتفاعات لمعدلات التجاوزات كان ينتظر من الجهات المعنية في الدولة التحرك نحو مساءلة هؤلاء المسؤولين ومحاسبتهم؛ إلا أن المواطنين لم يروا أي خطوة من أي جهة رسمية في هذا الاتجاه، الأمر الذي جعلهم يذهبون إلى القول إنه نتيجة لعدم تحرك الدولة في اتخاذ خطوات إجرائية بحق المتجاوزين هو ما دفع هؤلاء المسؤولين إلى التمادي في إهدار المال العام والتلاعب به من خلال صرفه في قنوات غير قانونية.
والمثير للدهشة والتعجب أنه رغم علم هؤلاء بالدور الذي يضطلع به ديوان الرقابة المالية؛ إلا أن بعض المسؤولين في وزارات الدولة ومؤسساتها لا يعيرون اهتماماً للتقارير التي يصدرها، والدليل استمرارهم في التلاعب بالمال العام، وهو الأمر الذي أثار حفيظة نفوس كثير من المواطنين ودفعهم إلى إطلاق «النكات» والسخرية والتندر على هذه التقارير على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها حسب تقديرهم لم تغير شيئاً على واقع الأرض، وكالعادة فقد أخذت مكانها في أدراج أرشيف الوزارات والمؤسسات والهيئات.
في ظني أن بعض المواطنين معهم حق في كل ما ذهبوا إليه في تعليقاتهم التي ينشرونها في تلك المواقع ولا أحد يستطيع أن يلومهم؛ لأنهم بالفعل ضاقوا ذرعاً بالفساد المالي والإداري المنتشر كالفطر في وزارات الدولة وهيئاتها، والذي زادهم غضباً هو أنهم لم يروا أي تحرك من الجهات القانونية لمساءلة أي من هؤلاء الذين جعلوا من المال العام مرتعاً خاصاً يتصرفون به وفقاً لأهوائهم ورغباتهم، كما إنهم لا يعوّلون كثيراً على ممثليهم في مجلس النواب في تحريك هذا الملف بعد أن تبيّن لهم بالتجربة أنهم قليلو الحيلة وعاجزون عن استخدام الأدوات الدستورية التي يملكونها في محاسبة المسؤولين ووضع حد للفساد، فهم لا يتحركون في هذا الاتجاه، وقد ثبت ذلك خلال تعاملهم مع التقارير السابقة التي صدرت على مدار السنوات الثمان فقد أخفق أعضاء مجلس النواب في الدورات السابقة في محاسبة أي مسؤول عن التجاوزات التي ارتكبها، من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو؛ هل يكسر أعضاء البرلمان الحالي هذه القاعدة ونرى مشهداً جديداً تحت قبة البرلمان يجسد وزيراً وهو يصعد المنصة استعداداً للمساءلة عن التجاوزات المالية والإدارية التي حدثت في وزارته؟