«نحو 450 جندياً أمريكياً وهولندياً يحتشدون حالياً على الحدود التركية - السورية، تحسباً لاحتمال لجوء نظام الأسد إلى استخدام أسلحة كيماوية»، هذا ما أوردته صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل أيام في سياق تقرير لها تناولت فيه مسألة «احتمال لجوء النظام السوري إلى استخدام الأسلحة الكيماوية التي بحوزته».
ترافق ذلك مع تقرير آخر نقلته شبكة «سي إن إن» الأمريكية، عن «مصادر مسؤولة في المؤسسة العسكرية الأمريكية»، أكدت لها فيه تلك المصادر على «أن الجيش الأمريكي قام خلال الأيام الماضية بتحديث مخططات عسكرية تتعلق بتوجيه ضربة لسوريا، بعد تزايد التقارير الأمنية التي تشير إلى قيام نظام الرئيس السوري بشار الأسد بتزويد بعض القنابل المستخدمة في القصف الجوي بغاز السارين السام، وأن تلك القنابل، كما يقول مسؤول أمريكي رفيع طلب عدم كشف هويته موجودة في موقعين قريبين من قاعدتين جويتين في سوريا».
هذا على الصعيد الإعلامي، أما على الصعيد السياسي، وفي ما يخص «تخوف الدوائر الأوروبية» من احتمال لجوء بشار الأسد إلى استخدام السلاح الكيماوي، فهناك آخرها الذي جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ في تصريح خص به هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أكد فيه على «أن بريطانيا تمتلك بعض الأدلة على أن السلطات السورية تستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة، مضيفاً، أن لدى بريطانيا تبريرات كافية لنحذر سوريا من التبعات الخطيرة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، مضيفاً إلى أنه تم الحصول على تلك المعلومات من مصادر استخباراتية». ونوه هيغ في سياق تلك التصريحات إلى ما كان قد أدلى به الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما أكد هذا الأخير على «أن استخدام هذا النوع الخطير من الأسلحة سيغير علاقة المجتمع الدولي تجاه الصراع في سوريا، مضيفاً بأن واشنطن ترى أن استخدام السلطات السورية للأسلحة الكيماوية غير مقبول على الإطلاق».
ولم تكن واشنطن بعيدة عن هذا السباق الغربي تجاه سوريا، فها هي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، لا تتوقف عن تكرار تحذيراتها للنظام السوري من استخدام الأسلحة الكيماوية، حيث أكدت وفي أكثر من مناسبة خلال الأيام القليلة الماضية «إن الولايات المتحدة قلقة من أن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه قد يلجأ بدافع من اليأس إلى استخدام الأسلحة الكيماوية أو فقدان السيطرة عليها». وليست كلينتون هي المسؤولة الأمريكية الوحيدة التي حذرت دمشق من مغبة لجوئها إلى ذلك السلاح، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام، من بينها قناة الفضائية «العربية»، تصريحات «مسؤول أمريكي رفض الإفصاح عن اسمه، جاء فيها أن أي إجراء ستتخذه بلاده ضد سوريا حال استخدام نظام الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه لن يتطلب وقتاً طويلاً، لأن القوات الأمريكية تتمركز الآن في المنطقة، مضيفاً بأن الولايات المتحدة الأمريكية على أهبة الاستعداد للتدخل عسكرياً في سوريا خلال أيام، إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه».
وكما يبدو، فإن التكرار الذي تعمدته كلينتون، والذي صاحبته نبرة تصعيد واضحة، هو بمثابة الرد على ما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية «بالتلكؤ» في السياسة الأمريكية مستندة في ذلك إلى «التغير في التعبير عن التحذير من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن الأسلحة الكيماوية السورية من «تحريك» إلى «استخدام»، الأمر الذي يعكس مدى صعوبة السياسة والتحرك بشكل استباقي ضد الرئيس السوري بشار الأسد». وقد طغى على ذلك التقرير الأسلوب التهكمي اللاذع، حيث أبرزت الصحيفة «أنه لا يوجد رئيس أمريكي «مقارنة مع أوباما» تحدث أكثر عن الحاجة لمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل وتقييد المخزونات الموجودة حالياً. وأشارت إلى أنه لا يوجد رئيس أمريكي أيضاً أصر بشكل أكثر علنية على أن هذا وقت إنهاء حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا دخول حروب جديدة».
وكان من الطبيعي والمتوقع أن تركب إسرائيل موجة احتمال لجوء الأسد إلى مثل هذا الخيار، حيث ذكرت مصادر سياسية في تل أبيب «أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، طلب أن تكون إسرائيل شريكاً في أي هجوم عسكري محتمل على سوريا لمصادرة أو تدمير أسلحتها الكيماوية. وأنها تطلب أن يتم التحرك العسكري الغربي استباقياً، وعدم الانتظار حتى يقدم الرئيس السوري، بشار الأسد، على خطوة مغامرة ويستخدم الصواريخ الكيماوية على قوات المعارضة أو يسربها إلى حزب الله في لبنان وجهات معادية أخرى».
تنامت موجة تلك التحذيرات فوصلت أروقة الأمم المتحدة، فوجدنا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الجمعة بعد أن يؤكد «إنه لم يتلق أي تقارير مؤكدة تفيد أن دمشق تعد لاستخدام أسلحة كيماوية»، يعود كي يحذر من أنها «ستكون جريمة شائنة إذا أقدمت سوريا على ذلك»، ثم يضيف قائلاً بأنه «تحدث مع رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بشأن سبل التحقق من التقارير لكنه لم يتم التوصل إلى خطة محددة حتى الآن، إثر إرساله خطابين إلى الأسد حذره فيهما من استخدام الأسلحة الكيماوية». وبات من المتوقع كما صرح بذلك رئيس مجلس الأمن الدولي الحالي محمد لوليشكي «طرح ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا على طاولة أعمال المجلس الشهر الجاري، واصفاً ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا بأنه مسألة خطيرة، مشيراً إلى أنه في حالة تقدم أحد ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بطلب مناقشة هذه القضية، فسوف يجتمع أعضاء المجلس للنظر في الموضوع».
حتى منظمة الصليب الأحمر الدولية لم تتخلف عن قافلة التحذيرات من خطورة الموقف فيما لو أقدم نظام الأسد على خطوة من هذا القبيل، فجاء على لسان رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورر، التي لم تخل تصريحاته من نبرة التحذيرات المبطنة «أن اللجنة على اتصال بالحكومة السورية بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المحظور استخدامها بموجب القانون الدولي».
لابد هنا من الإشارة إلى الموقف الروسي المغاير لكل ما ورد أعلاه، وهو موقف ينسجم مع العلاقات الروسية - السورية، ويدافع أيضاً عن المصالح الروسية في دمشق، وفي المقدمة منها التواجد العسكري الروسي في مدينة طرطوس السورية، حيث وجدنا المندوب الدائم لروسيا لدى حلف الناتو ألكسندر غروشكو يؤكد على أن روسيا «تتابع بعناية تطور الأحداث في سوريا، بما في ذلك ما يتصل بالأسلحة المستخدمة في البلاد، مضيفاً أن سلطات الجمهورية العربية السورية أكدت لموسكو بأنه ليس لديها خطط لاستخدام الأسلحة الكيماوية، منوهاً إلى أن روسيا لن تقبل مطلقاً بانتهاك الاتفاقات الدولية في مجال انتشار أسلحة الدمار الشامل».