أحد إشكاليات الإنسان في عالمنا المعاصر، أعني الآن، الذي نراه ونسمعه ونتلمسه، أنه لا يرى النعم الكثيرة التي يتنعم بها، لا ينظر إلى صحته التي من الممكن أن يدفع الفاقدون لها كل ما يملكون من مال لاسترجاعها حتى ولو لفترة قصيرة.
أو الحصول على شيء مما يتمتع به من يملكونها، لا يرى الأمن الذي يعيش فيه مقارنة للمناطق الساخنة التي تزاحم هواءها رائحة الموت، حيث الجوع وصل إلى إظهار الضلوع المكشوفة تحت الجلد دون الحاجة إلى عمل أشعة إكس.
لا يرى المدارس المجانية التي تحلم بها أكبر دول العالم، لا يرى المراكز الصحية والمستشفيات التي تتكاثر في كل قرية وكل مدينة.
أقول هذا الكلام بعد أن قرأت حكاية جميلة طريفة أُرسلت لي عبر البريد الإلكتروني، أحببت أن أتشارك فيها معكم، لأنها استوقفتني وأتمنى أن تستوقفكم، تقول الحكاية..
“في حجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل عاشت الأرملة الفقيرة مع طفلها الصغير حياة متواضعة في ظروف صعبة، إلا أن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميز بنعمة الرضا وتملك القناعة التي هي كنز لا يفنى، لكن أكثر ما كان يزعج الأم هو سقوط الأمطار في فصل الشتاء، فالغرفة عبارة عن أربعة جدران وبها باب خشبي، غير أنه ليس لها سقف، وكان قد مر على الطفل أربعة سنوات منذ ولادته لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات قليلة وضعيفة من الأمطار.
إلا أنه ذات يوم تجمعت الغيوم وامتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة، ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها، فاحتمى الجميع في منازلهم، أما الأرملة والطفل فكان عليهما مواجهة موقف عصيب، نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة واندسّ في أحضانها، لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقًا في البلل، أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته ووضعته مائلاً على أحد الجدران وخبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر، فنظر الطفل إلى أمه في سعادة بريئة وقد علت على وجهه ابتسامة الرضا وقال: ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر؟”.
لقد أحس الصغير في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء، ففي بيتهم باب، ما أجمل الرضا، إنه مصدر السعادة وهدوء البال ووقاية من المرارة والتمرد والحقد.
هل من الممكن أن نجد إنساناً، كبيراً أو صغيراً، رجلاً أو امرأة، يشعر بهذا الامتنان على ما يملك من خير ونعمة لا يملكها غيره؟.
إن الثراء ليس هو المال، وليس هو المنصب، الثراء الحقيقي كما أراه أن ترى النعمة في الأشياء الصغيرة اليومية التي نملكها، الأشياء التي يحلم بها غيرنا من الناس. لقمة بسيطة من خبز و(باجلا) أو (نخي)، مكان دافئ ننام فيه دون خوف من مهاجمة الآخرين، ماء نظيف نستحم في تدفق قطراته يعيد إلينا النشاط والحيوية. وصحة تامة دائمة متجددة كتجدد الخلايا في أجسادنا.
هذا هو الثراء الحقيقي الذي لا يوازيه ثراء، هذا هو الثراء الحقيقي الذي علينا أن نحمد الله لوجوده في حياتنا، عدد ما نتنفس، هذا هو الثراء الذي علينا أن نحافظ عليه، لنا ولغيرنا من سائر بني آدم.