في خضم تحديات إقليمية كبيرة وفي وسط ملفات محلية مزدحمة بمشكلات متراكمة تبحث عن حلول إبداعية وليست تقليدية، وفي جو مشحون بالاختلافات الفكرية والمذهبية والسياسية، وفي ظل تصعيد خطير للعنف وفي إطار نقد ساخر وقاسٍ من الشارع لأداء أعضاء مجلس النواب انطلقت جلسات مجلسي النواب والشورى في دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثالث بعد إجازة عيد الأضحى المبارك.
في هذه الأجواء الساخنة والحبلى بالكثير من التطورات الأمنية والسياسية والاقتصادية على المستويات كافة؛ المحلية والإقليمية والدولية فإن الأسئلة المهمة والحيوية التي يطرحها الشارع البحريني على مجلس النواب هي؛ كيف ستتعامل الكتل النيابية مع كل هذه الملفات الصعبة والشائكة والبالغة التعقيد والتي تتطلب من أعضاء الكتل طرحها للمناقشة، وما هي الأولويات التي ينبغي على أعضاء مجلس النواب وضعها على أجندة المجلس؟ وهل أعضاء مجلس النواب الحاليون في مستوى التحديات الخطيرة التي تواجه البحرين ودول المنطقة في الوقت الراهن؟
أسئلة مشروعة يطرحها الشارع البحريني الذي نرى أنه بفعل الأحداث التي مرت على البحرين قد ازداد وعياً بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الفترة الأخيرة، وقد استفاد من هذه الأحداث المتتالية بدليل تفاعله الإيجابي مع تلك الأحداث عبر مشاركاته الكثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يعبر فيها عن رأيه بجرأة وبصراحة غير معهودة عن كل القضايا المطروحة في الساحة السياسية، كما إن وعيه هذا قد أفاده في محاسبة النواب فبدأ يوجه انتقادات لاذعة وقاسية لهم وعلى تباطئهم في القيام بأدوارهم المطلوبة وبالدرجة التي تنسجم مع التحديات والأخطار المحدقة بالبحرين في التصدي لمعالجة القضايا التي تهم المواطن في هذه المرحلة الحساسة، والتي باستطاعتهم إثارتها تحت قبة البرلمان واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها والتي تصب في مصلحة الوطن والمواطنين بموجب الأدوات الدستورية واللوائح الداخلية الممنوحة لأعضاء المجلس وبفضل التغيرات التي طرأت عليها نتيجة مخرجات حوار التوافق الوطني، التي نعتقد أنها أضافت للنواب مجالات أوسع وأرحب للمساءلة والمراقبة على أداء أعضاء السلطة التنفيذية «الحكومة».
أسئلة بالفعل تتطلب إجابة شافية بالنسبة للكثير من المواطنين الذين يطالبون النواب أن يضطلعوا بدورهم في هذه الظروف الحساسة من خلال العمل على معالجة العديد من الملفات التي تلامس حاجات المواطنين وقضاياهم، وأن يكونوا أكثر فعّالية من أي وقت مضى وأن يبتعدوا عن المجاملات وأن يسموا الأشياء بأسمائها. فالشعب هو الذي انتخبهم وأوصلهم إلى كرسي البرلمان، لذا فعليهم أن يكونوا عند حسن ظن الناخبين ويتحسسوا مشكلاتهم وحاجاتهم ولا أعتقد اليوم أن هناك حاجة أهم من حاجة الأمن بالنسبة للمواطنين، خصوصاً بعد تطور العنف الذي فاق حدود المعقول من البشاعة فجسم الخيانة في أعلى صورها.
في ظني أن من أهم الملفات التي يجب أن تُعطى الأولوية من قبل النواب ويتم وضعها على رأس أجندة المجلس هو الملف الأمني؛ حيث إن هذا الموضوع يمثل في الوقت الراهن أهمية قصوى للبحرين خاصة في ظل التطورات النوعية التي طرأت على الأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية والتي تعتبر جديدة في الساحة المحلية، والتي نتوقع أن تزيد في المرحلة القادمة كرد فعل على الخطوة الشجاعة التي أقدمت عليها الحكومة، والتي تمثلت في سحب الجنسية من 31 شخصاً وهو الأمر الذي يستوجب يقظة رجال الأمن واستعدادهم لكل الاحتمالات من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهتها، وهنا نضم صوتنا إلى صوت النائب أحمد الساعاتي الذي طالب وزارة الداخلية بضرورة أن تأخذ باستراتيجية «الأمن الوقائي» في مقاربته للملف الأمني؛ لأن مثل هذه الاستراتيجية ستجنب البحرين الكثير من الخسائر وستقطع الطريق على أولئك المجهولين الذين ستظل أسماؤهم محفورة في «ذاكرة الدم» الذي سال فوق تراب الوطن.
ومادام الشيء بالشيء يذكر نقول إنه دون استتباب الأمن في ربوع البلاد يضيع كل شيء، لذا فإننا نرى أنه من الآن وصاعداً يجب أن يكون شعار الجميع لا صوت يعلو فوق صوت الأمن ولتحقيق هذا الشعار على مجلس النواب أن يضع يده بيد وزارة الداخلية في مواجهة الإرهاب من خلال توحيد المواقف وسن التشريعات التي من شأنها محاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه وتقديم المرئيات التي يمكن أن تعزز دور الوزارة في مكافحة العمليات الإرهابية. في اعتقادي أنه من خلال ذلك ستتعزز ثقة الناس في الأجهزة الأمنية، وتجدد الأمل في نفوسهم برجالات الأمن الذين يكنون لهم كل التقدير والاحترام بسبب أدوارهم الكبيرة في حماية الأمن وتزرع في نفوسهم الشجاعة بدلاً من حمل أرواحهم فوق أكفهم.
أخيراً نقول حفظ الله البحرين من كل مكروه.