(منْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)- قران كريم
هل توجد معركة سياسية عادلة ومحترمة ومشروعة في حاجة إلى قتل الناس وإهدار الدماء البريئة التي لم ترتكب ذنباً، بل ولا ناقة لها ولا جمل في أي معركة من معارك ثوار آخر الزمان؟
هل توجد معركة توصف بالسلمية والديمقراطية والمطلبية الإنسانية تستوجب الفعل العشوائي البليد وغير الإنساني الذي أقدم عليه باعة الكلام والشعار وراحت ضحيته أرواح إنسانية غالية، لا يقلل من نفاستها كونها من فقراء البشر، بل قد يزيد استهدافها بالاغتيال العشوائي من انحطاطية الفعل والتبرير والتأويل والتلبيس والتفليس!
الجواب لا يحتاج إلى ذكاء كبير، بل يحتاج إلى ضمير حي، والى امتلاك قدر من القيم الأخلاقية والحس الإنساني، وبعد ذلك تصبح جميع القضايا -بما في ذلك القضايا السياسية العادلة مثل قضايا التحرر الوطني- قضايا نسبية، أمام قضية واحدة جوهرية وذات أولوية مطلقة وهي أن يبقى كل الناس أحياء أحراراً كرماء، أن يحصلوا على الحياة الكريمة، هذه هي الحرب العادلة الوحيدة الجديرة بالاحترام. وهذه الحرب، إذا أردنا أن نصل إلى نتائجها، لا تدور بالأسلحة ولا المولوتوف ولا بالأسياخ ولا حتى بتبادل الشتائم، بل تقوم على النضال السلمي والحوارات الفكرية العاقلة.
قد يقول بعض ممارسي العنف العشوائي أنهم يتحركون من موقع الاعتقاد بقوة الحق لا قوة القانون، مبررين بذلك كافة أنواع التعدي على الدولة والمجتمع والقانون معاً، ولكن من الواضح ان أكثر الناس عنفًا هم من يعتقدون أنهم على حق، ويكفي أن يعتبر هؤلاء أنفسهم على حق والآخر على باطل حتى يكونون الأشد عنفا بحق الآخرين. لم يتعلموا احترام وجود الآخرين ووجهات نظرهم، فهم مستكبرون مغرورون وكل هذا الاستكبار مرض وعنفهم مرض لا يمكن علاجه ومقاربته الا من منطلق اجتماعي سياسي روحي في ذات الوقت، وعلاجه بحاجة للمثل الأعلى والى التفهم والترفق والحوار ومعالجة الأسباب. ويمكن للمثقفين والمفكرين ورجال الدين وأولياء أمور الطلبة في المدارس ووسائل الإعلام أن يلعبوا دوراً في ذلك. كما إن القوة العقلية هي وحدها التي تحل المشاكل لأنها قوة الحق وليس حق القوة التي تعني العنف. وقوة الحق هي اللاعنف.
إن فكر العنف ينشأ من الاعتقاد بامتلاك الحقيقة وبطلان أي منطق وفكر للغير فتتحول الأفكار إلى بديهيات لا تقبل النقاش ويتحول الآخر المختلف إلى كافر فاسق ضال. هذا الاستملاك للحقيقة المطلقة يفضي إلى إلغاء الآخرين عقولهم وحياتهم واستباحة حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم، هذا الفكر المبني على الأوهام وعلى الحقد الناشئ في القلوب استناداً إلى عمليات غسيل للمخ مستمرة من الطفولة الأولى هو ما يتولد عنه العنف الذي يأتي من الاعتقاد المفرط بأن الآخرين ينتهكون حقوقه المشروعة مصحوبة بأوهام وتخيلات مهولة تحول رد الفعل إلى اندفاعة متشنجة مفرطة.. تحت عباءة فكر مشوش يعلوها التناقض والخلط في المفاهيم والمصطلحات الفلسفية، وأي تناقض في التصورات المعرفية ستكون حتماً ناتجة عن اضطراب معرفي ونقل مفاهيم واقتباس تصورات من مضامين ثقافية ذات بنى أقرب للتلفيق والخواء، وهذا ما يفسر كيف أن العنف بشتى أشكاله أصبح يوضع أحياناً تحت عنوان الجهاد والنضال!.