في المقال السابق طرحنا عدداً من التساؤلات حول علاقة سفر الرؤيا بتسمية «العالم الجديد» على أمريكا، والهدف الشيطاني الذي تسعى الأخيرة وإسرائيل من أجل الوصول إليه وأسئلة حائرة أخرى، واستطراداً للمقال السابق نبدأ بالأصداء الغريبة لسفر الرؤيا، ولعل من أهم أمثلتها، غزو الصليبيين القدس في العصور الوسطى، و»نيران الزهو» في فلورنسا في عصر النهضة، وإطلاق تسمية «العالم الجديد» على أمريكا عندما اكتشفت حديثاً، والرايخ الذي وعد أدولف هتلر بأن يدوم لألف سنة. فضلاً عن العادة القديمة الخالدة في ربط المسيح بشخصية تاريخية حيّة: فوحش سفر الرؤيا إنسان لكل العصور، فاعتُبر محمد –صلى الله عليه وسلم- المسيح الدجال في أوائل العصور الوسطى، وصلاح الدين في عصر الحملات الصليبية، وسلطان الأتراك العثمانيين الأعظم حين دق أبواب فيينا، ونابليون في أعقاب الثورة الفرنسية، وكذلك هتلر وموسوليني، وستالين وأنور السادات وغيرهم كثير. ولم يغفل الحدس حول هوية عدو المسيح الدجال عن هنري كيسينجر في سبعينات القرن العشرين، وآية الله الخميني في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، وصدام حسين –لا سيما باعتبار بغداد مقر عدو المسيح حسب وصف القس «تيم لاهاي»، ناهيك عن الألقاب المستفزة التي أطلقت على بابل وبغداد كلفظة «أم الزواني»- فضلاً عن أسامة بن لادن باعتباره الخصم الشيطاني الذي تنبأ سفر الرؤيا بمجيئه.
وربما من العقلانية الأخذ برأي « جوناثان كيرش» في أن لم يعد ثمة مجال لرفض سفر الرؤيا باعتباره شذوذاً عن الكتاب المقدس، ولا يخص إلاَّ علماء اللاهوت المتخصصين ووعاظ الإعلام وقلة من المهووسين، والحقيقة أن سفر الرؤيا أصبح في نظر بعض أهل السلطة والنفوذ مصدر إلهام، بل ودليلاً إلهياً لإدارة دفة الحرب والدبلوماسية وشؤون الدولة في عالم الواقع. ولعل من أكثر ما يؤكد الجدل العام المسموم حول دور الدين في الديمقراطية الأمريكية وخطورة معتقدات كهذه على رجال توفرت لهم السلطة في إشعال أرمجدون نووية على عدو «إمبراطورية الشر» نحو «ريجان» و»بوش الأب والابن» وربما أوباما. لاسيما أن أغلب شاغلي البيت الأبيض منذ عهد ريجان والعديد من مستشاريهم وثقاتهم يعتنقون هذه المعتقدات.
وربما من المؤسف لمنطقة الشرق الأوسط تحديداً أن نجد في البنتاجون الأمريكي مركزاً متخصصاً يهتم بالتنبؤات القديمة للتخطيط لعمليات أمريكا في المنطقة مستقبلاً، فالخطط والسياسات الأمريكية والغربية والصهيونية ضد الأمة الإسلامية لا توضع بمعزل عن هذه التنبؤات.
ويعزز ما سبق ما ذكرته «جريس هالسل» في كتابها «النبوءة والسياسة»: «إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس هناك نسق معتقداتهم، ومن أولئك مجموعة المبشرين الأصوليين الذين يرأسون محطات تليفزيونية وإذاعات في الولايات المتحدة وبعضهم يشغل مناصب حساسة في المراكز الحكومية والكونجرس الأمريكي، ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون بقرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء عودة المسيح، فهم يرون أن العالم يقترب من نهايته ومعركته الفاصلة النهائية قادمة، وستدور رحاها في الشرق الأوسط وبالتحديد في (مجدو) بفلسطين، وهؤلاء المبشرون لهم مؤسسات تخدم كل منها الحركة الصهيونية، وبعض هذه المؤسسات مختص بجمع الأموال من أجل إزالة المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل اليهودي مكانه».
وهذا ما يبرر دعوة الصهاينة في المقابل لتدمير العرب والمسلمين والروس وحصارهم ومنع وصول أي نوع من السلاح إليهم، وعلى رأسهم إيران وليبيا والعراق والسودان ومصر والاتحاد السوفييتي وسوريا، لأن هؤلاء سيمثلون القوى الرئيسة التي ستتحالف ضد اليهود والغرب في آخر الزمان الذي نعيش فيه الآن.
ويترسخ إيمان الإنجيليين والتوراتيين أن معركة هرمجدون المنتظرة هي الحرب العالمية الثالثة، وحسب «وليم غاي كار» في كتابه «أحجار على رقعة الشطرنج» عام 1958، قال: قضى مخطط الحرب العالمية الثالثة أن تنشب نتيجة للنزاع الذي يثيره النورانيون بين الصهيونية السياسية وبين قادة العالم الإسلامي، وبأن توجه هذه الحرب وتدار بحيث يقوم الإسلام والصهيونية (إسرائيل) بتدمير بعضهم البعض وفي الوقت ذاته تقوم الشعوب الأخرى التي تجد نفسها منقسمة أيضاً حول الصراع بقتال بعضها البعض حتى تصل إلى حالة من الإعياء المطلق الجسماني والروحي والاقتصادي.. وأتساءل ثانية: هل يستطيع أي شخص حيادي سليم المنطق أن ينكر أن المؤامرات الخفية التي تجري الآن في الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى تلتقي جميعاً في مخطط واحد منسق هدفه الوصول إلى هذا الهدف الشيطاني؟».