أخيراً أصبح للبحرين مسرح وطني، فقد دشن جلالة الملك «المسرح الوطني البحريني» في احتفال جرى في متحف الوطني بحضور سمو رئيس الوزراء وعدد من وزراء الثقافة والإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي ومن الدول العربية وكبار المسؤولين عن الثقافة في عدد من المنظمات والهيئات الثقافية الإقليمية والدولية.
أخيراً أصبح الحلم حقيقة -مثلما قالت الشيخة مي آل خليفة وزيرة الثقافة- حيث تمكنت وزارة الثقافة برعاية وتوجيه من جلالة الملك من تجسيد حلم المسرحيين البحرينيين القديم الجديد في أن يكون لهم مسرح وطني بمواصفات عالمية، بما سيمكّنهم من تقديم عروضهم أو إجراء التدريبات المسرحية لأعمالهم الفنية أو تنظيم الورش والمختبرات المسرحية.
إن هذا الإنجاز الحضاري يعد من أهم الإنجازات التي تفخر بها البحرين، خصوصاً وأنه تحقق وفقاً لمواصفات جمالية وفنية مميزة وراقية، وهو إنجاز يحسب لوزارة الثقافة ووزيرتها الشيخة مي آل خليفة التي كان لجهدها الأثر الأكبر في تجسيد هذا الحلم.
والحقيقة أنه وخلال العقود الثلاثة الماضية أجريت شخصياً عشرات المقابلات والحوارات مع أغلب المسرحيين البحرينيين المعروفين، وكانوا بوجه عام يصفون الوضع المسرحي البحريني على النحو التالي؛ هنالك مسرحيون من أعلى طراز، هنالك خبرات وطنية لا يستهان بها في المجالات المسرحية المختلفة، والعديد منهم يتمتع بتكوين أكاديمي متقدم وله دراية بمختلف فنون وتقنيات المسرح، وهنالك خبرات وطنية لا يستهان بها، ولهم تكوين أكاديمي متقدم ودراية بمختلف فنون وتقنيات المسرح، وهنالك مسارح أهلية مجدة ومجتهدة وتمتلك الكفاءات الفنية العالية، ولكن في المقابل لا توجد صالة للمسرح ولا أية أماكن مناسبة لعرض المسرحيات فما بالك بإجراء التدريبات اللازمة في العمل المسرحي، وكانوا يصفون ذلك الوضع بأنه علة العلل في المسرح البحريني، فأغلب المسرحيين لم يكونوا يتحدثون عن (أزمة) وإنما عن مشكل بنيوي، وهو عدم وجود (مسرح)، لأن الأزمة تعني وجود صراع أو مأزق داخل المسرح كفكر أو كأداء أو كتوجهات، في حين أن المشكلة في البحرين كانت تتعلق بالدرجة الأولى بالبنية الأساسية، حيث لا وجود لدور أو بيوت أو صالة واحدة صالحة للعروض المسرحية، في حين أن بلداناً عديدة -ومنها من ليس لديها خبرة أو تاريخ في العمل المسرحي- أصبحت تولي أهمية كبيرة لتوفير فضاءات للعروض المسرحية، فضلاً عن صالات المسرح الكبيرة، توجد في الغالب بيوت وأماكن أثرية أو دور فنية تخصص للعروض، تكون مهيأة تماماً للمسرح.
هل انتهت مشكلة المسرح والمسرحيين بالإعلان عن افتتاح المسرح الوطني البحريني؟
الجواب هو بالنفي بطبيعة الحال، فالمشكلة الأكبر حلت، ولكن بقيت مشكلات أخرى أقل أهمية، فالفرق المسرحية الأهلية في البحرين تعتبر مسارح شبه رسمية، لأنها مسارح جادة وملتزمة ولا تقدم عروضاً مسرحية تهريجية أو تجارية، تهدف إلى الربح المادي، بل هي في الغالب تنظر إلى القيمة الفنية والجمالية والفكرية للعمل، وهذا النوع من المسرح غالباً ما لا يقبل عليه الجمهور الواسع الذي تربى على الفرجة والتهريج والنكات القبيحة ولم يعد يقوى على الفرجة التي تستدعي التأمل والتفكر، لذلك تعيش المسارح الأهلية إلى اليوم مأزقاً مادياً حقيقياً، فالدعم الرسمي -رغم أهميته- يظل بسيطاً ولا يفي بالغرض، ولا يمكن هذه المسارح من تقديم سوى مسرحية واحدة في السنة في أحسن الأحيان.
كما إن المبلغ المرصود لدعم المسارح الأهلية كان يضيع أغلبه في تأجير أدوات الإضاءة والصوت والديكور، بل قد لا يكفي المبلغ المخصص للعرض المسرحي والمقدم كدعم من الجهة الرسمية حتى لتغطية تكاليف الإضاءة والصوت، فإيجار الإضاءة لليلة واحدة لعرض واحد يكلف مائة دينار فإذا كانت المسرحية ستقدم في 15 عرضاً مثلاً، فإن نصف المبلغ يذهب إلى الإضاءة وقس على ذلك الصوت والديكور، مما يعني في الغالب أن الممثل أو المخرج أو المؤلف يظل يقدم عملاً تطوعياً بنسبة 99%، وهذا يخلق مشكلة للمسارح الأهلية، ذلك لأن الممثل في هذه الحالة لا يكسب شيئاً تقريباً، ولذلك عندما يحصل على عرض من أي تلفزيون محلي أو خليجي يهرع إليه تاركاً المسرح، وهو معذور في ذلك.
نعم تحققت بافتتاح المسرح الوطني خطوة كبيرة ومهمة بالنسبة للمسرح والمسرحيين، ولكننا نحتاج أيضاً إلى إعادة صياغة جادة لموقع المسرح في الخارطة الثقافية الوطنية في اتجاه تأصيله ودعمه مادياً بشكل كاف ودعمه معنوياً بمنح المسرحيين ما يستحقونه من عناية وتقدير.