خوفاً من مفجرات الصراع نمشي بحذر شديد حين نتجول في العلاقات الكويتية العراقية حتى لا نعود لنقطة الصفر كما حدث حينما أثيرت قضية ميناء مبارك الكبير قبل عامين.لكن بسوس ائتلاف العراقية الحرة، عالية نصيف تبرز لنا فجأة من بين أنقاض التكسب السياسي وركام الأحقاد لتشعل بواعث التوتر من جديد. فقد طالبت هذا الأسبوع «باستدعاء السفير الكويتي في بغداد الفريق علي المؤمن،على خلفية أنباء عن قيام الكويت بإعدام الصياد العراقي طه محمود. «مما يعني أن الكويت قد ضربت العلاقات مع العراق عرض الحائط وأعادتها إلى نقطة الصفر». وكان من تبعات خطب نصيف التحريضية احتجاج مجلس محافظة البصرة وهياج قائمقامية قضاء الفاو التي اعتبرت الأمر «محاولة للانتقام من العراقيين».
وتدفعنا الاتهامات الافتراضية الجزافية شديدة المراوغة في ألفاظها من البسوس وفريقها لتبيان الحقيقة، لأنه لايزال هناك متسع من الوقت لهدم خيمة التكسب التي تقيمها نصيف وفريقها كلما اقترب وقت تجديد عضويتها. فالكويت لم تعدم أحداً منذ أعوام والصياد العراقي يأكل ويشرب من أطعمة شركات التجهيزات الغذائية كما يصرف له راتب كبقية مساجين الكويت.أما الأمر الثاني فالمدعو طه محمود مهرب ضمن فريق من ثمانية أشخاص دخلوا المياه الإقليمية الكويتية فاعترضهم زورق خفر السواحل الكويتي، وحين نزل العريف الكويتي عبدالرحمن العنزي إلى القارب لتفقد هواياتهم عاجلة المهرب طه محمود بطلقة غادرة أودت بحياته وفر المهرب ومن معه بزورقهم حتى تم اللحاق بهم وتقديمهم للمحكمة التي قررت إعدام القاتل طه والسجن المؤبد لثلاثة آخرين، كما حكمت على اثنين بالسجن ثلاث سنوات وبسنة واحدة على متهم دون السن القانونية.
لقد طالبت البسوس وفريقها -بكل عنجهية –من الحكومة الكويتية إطلاق سراح الصياد طه محمود «بلا شروط، لأن محاكمته لم تكن عادلة، وليس من الصحيح أن تتم بهذه الطريقة» وهنا نتوقف عند محددات التعاطي مع نهج جديد لبغداد، وهو دبلوماسية المساجين مع دول الخليج. ونتساءل إن كانت حكومة المالكي قد استجابت للمناشدات المستمرة من قبل الجهات الرسمية والشعبية وهم يطالبونها بتوقيع اتفاقية تبادل المجرمين مع دول الخليج.وماذا فعلت غير تسليم الكويت جثة مواطن كويتي لقي مصرعه بنيران مجهولين داخل الأراضي العراقية قبل أعوام، وماذا فعلت حين قام أفراد حماية مركز شرطة القائم في الأنبار بقتل مواطن كويتي واستعانوا بتهمة الإرهاب ليقولوا إنه كويتي الجنسية يحمل هوية مزورة صادرة من ‘دائرة نفوس قضاء بيجي’ بمحافظة صلاح الدين فكيف عرفت أنه كويتي وكل ما يحمله من وثائق كانت مزورة!
لقد كان التزوير عملة في بغداد سبقت تداول العملة نفسها، وقد تعاملنا معها في الكويت منذ تصريحات غازي 1936م مروراً بقاسم1961م ثم بصدام 1990م. لكن ما يقلقنا هو اتساع دبلوماسية التزوير في قضايا المساجين ليس مع الكويت فحسب بل مع دول خليجية أخرى. فبناء على الآخذ بالمرحلية ومتغيرات اللحظة شرعت حكومة بغداد في استخدام ورقة المساجين، وتوسعت بشكل ملحوظ منذ أن اصطفت مع حكومة بشار الأسد للنيل من موقف دول الخليج حيال ما يجري. وكان من أشكال ذلك اعتبار اجتياز الحدود العراقية تهمة عقوبتها الإعدام، وبناء على ذلك العمل الممنهج أخذت بإلقاء القبض على الخليجيين بتهمة اجتياز الحدود بهدف تنفيذ أعمال إرهابية ثم أخذت في مساومة دول الخليج على ذلك، ولنا في السجناء من المملكة العربية السعودية الشقيقة خير دليل فقد حطمت أعدادهم في السجون العراقية فجأة الأرقام القياسية من بين السجناء العرب، كما حطمت أرقام من حكم عليهم بالإعدام كل السجلات. فقد أجبرتهم على توقيع أوراق بيضاء ودونت فيها اعترافات مزورة بأسمائهم، وغاب عن بغداد سهولة كشف التزوير من قبل منظمات حقوقية بدليل أن جميع الاعترافات متشابهة النسق في المفردات والصيغ.
وتهمة الإرهاب تفهم بشكل أفضل عندما ينظر إليها من زوايا مختلفة، فقد راجت في أفغانستان بعد 11 سبتمبر ووصول الأمريكان مهنة صيد منتسبي اللجان الخيرية من العرب وخصوصاً الخليجيين وبيعهم لقوات التحالف بتهمة الإرهاب.وقد تزامن معها في العراق اختطاف هواة القنص وأهل الشاحنات من الخليجيين وبيعهم للأمريكان بعد إتلاف مستندات دخولهم، فقد أصبح الخليجي يوزن بمقياس تهمة الإرهاب بدل وزنه لعقود بمقياس سعر خام مزيج برنت. لكن تهم الإرهاب لم تكتمل أركانها في ملفات هؤلاء الأبرياء فسلمهم الأمريكان للعراقيين بعد رحيلهم وها هي بغداد تستغلهم حالياً. وعليه فإن نجاح بغداد في استخدام دبلوماسية السجناء سواء عبر مطالبتها بإخلاء سبيل العراقيين المدانين في السجون الخليجية أو عبر إعدام السجناء الخليجيين هناك تفتح احتمالات أخرى غير مرصودة الآن، فربما تكون خطوة سيتبعها بالضرورة توسع مهندسي هذه الدبلوماسية في اصطياد الخليجيين بكل الذرائع لإثراء هذا الملف واستخدامه لتحقيق مكاسب كإسقاط التعويضات والديون أو إقليمية لصالح حليف جائر. وللأسف ثمة مؤشرات كثيرة قد تُقرأ لصالح هذا التحليل، رغم أنها دبلوماسية مرفوضة أخلاقياً وإنسانياً، بدليل إيقاف رئيس جمهورية العراق جلال طالباني حكم الإعدام ضد أي معتقل خليجي متهم باجتياز الحدود للقيام بعمل إرهابي لما أحاط بتلك التهمة من شك كبير.