أول الغيث قطرة وقطرة قمة مجلس التعاون الأخيرة قد أثمرت لنا، وأخيراً إنشاء قاعدة عسكرية موحدة لقواتها البرية والبحرية والجوية وهي قطرات منعشة قد جاءت أخيراً بعد دعوات شعبية لاستسقاء الإنجازات، وخاصة العسكرية والأمنية على أرض الواقع، لا الاكتفاء بسحب الصيف العابرة من التصريحات والتطلعات بعد أن شح طويلاً عنا مطر الإنجازات الملموسة فأنبت بداخل شعوب الدول الأعضاء الأمل مجدداً بخصوص الحلم الخليجي الدائم «الاتحاد».
النتائج التي خرجت بها قمة الخليج كانت تحمل صفعة قوية وجهتها دول مجلس التعاون الست أجمع نحو بعض دول الجوار؛ والتي مازالت تتعشم في جنة أوهامها خير دليل على ذلك التصريحات الإيرانية التي أعقبتها، والتي لا تزيد عن كونها مجرد تحرشات كلامية يراد بها تهدئة قهر فاض بالقلب من فرط وجع صفعة القمة وتزوير الحقائق والتاريخ.
غير أن من يتابع تاريخ مجلس التعاون الخليجي والذي بدأ كحلم في عام 1981 يجد في تاريخ اجتماعات قمم المجلس الطويلة الممتدة لأكثر من عشرين عاماً، والملفات المطروحة فيه أن الملف الشبابي لايزال فيها بعيداً عن أضواء التركيز والاهتمام والتداول.. صحيح أن هناك خطوات كبيرة لوحظت خلال السنوات الأخيرة بالانتهاء أولاً من الملفات الرئيسة والأساسية؛ كالملف الاقتصادي وإنتاج سوق خليجية مشتركة وعملة موحدة والملف العسكري، الذي أثمر درع الجزيرة المشترك بهدف حماية أمن الدول الخليجية والملف الأمني الذي أثمر الاتفاق الأمني إلى جانب تحقق العديد من التطلعات الجميلة التي كان يحلم بها المواطن الخليجي كالانتقال بين الدول الأعضاء ببطاقة الهوية الشخصية والاتحاد الجمركي، وهي إنجازات في قطاعات تعود بطريقة أو أخرى على جميع فئات المجتمع الخليجي أجمع بما فيها فئة الشباب، ولكن أليس التركيز على اللبنة الأساسية لتقدم أي مجتمع وجيل المستقبل يأتي أيضاً في صدارة الملفات المهمة؟
أليس بعض هؤلاء الشباب هم بالغد ممن سيمسكون كوزراء ومسؤولين الحقائب الوزارية لهذه القطاعات الاقتصادية والأمنية والتعليمية والثقافية، فيما بقيتهم هم من سيسعون للعمل فيها والإنجاز والتطوير؟ أليس مهماً جداً في هذه المرحلة وتزامناً مع تأسيس القوى العسكرية تأسيس القوى الشبابية الموحدة في هذه المجالات لهذه الدول الأعضاء التي ستمثل صفعة موجعة أقوى للحلم الإيراني بأنه ليس الواقع الحالي هو من يكسر شوكة أحلامها بالخليج فحسب بل حتى الأجيال القادمة التي يتم إعدادها حالياً وتوحيدها لذلك؟
ثم سؤال آخر نطرحه وندرك أهميته في هذا الوقت الراهن الذي وجد فيه عالم افتراضي عناوينه أدوات التواصل الاجتماعي يديره الرأي العام ويحرك من خلاله كيفما يشاء قضايا دول والعالم ويوجه البوصلة فيها نحو تطلعاته، بل وجعلها شرارة انطلاق للكثير من الحملات أليست الشريحة العظمى من هؤلاء المتواجدين على هذه الأسلحة الإلكترونية والإعلامية التي أوجدت ثورات الربيع العربي هم من الشباب؟ إذاً وجود درع خليجي عسكري في الخليج يحتاج أيضاً إلى وجود درع خليجي شبابي يسانده ويدعم فكرته على أدوات التواصل الاجتماعي ويبين حقيقة إنشائه، رداً على حملات التشويه الخارجية خلال أزمتها الأمنية على سبيل المثال، كما إن إنشاء قاعدة عسكرية موحدة يحتاج كذلك إلى أن يصاحبه إنشاء قاعدة شبابية خليجية موحدة تتداول ملف مشترك من القضايا الخليجية المصيرية.
إن الشباب هم عماد المستقبل ولابد لدول مجلس التعاون الخليجي في قممها المنعقدة أن تهتم بهذا العماد وتسعى لتأسيسه والتركيز عليه كملف لا يقل أهمية عن الملفات الأخرى.. في المرحلة القادمة التي يتم فيها محاولة زعزعة دول أمن الخليج نحتاج إلى درع خليجي شبابي يضم وجوهاً شبابية تمثل الخليج بالخارج وفي المؤتمرات الدولية بدلاً من أن تمثل كل دولة عضو بمجلس التعاون نفسها في وفد يضم أبناءها فقط.. نحتاج إلى وفد شبابي خليجي واحد متحد.. ونحتاج من قمة المجلس القادمة الخروج بقرار إنشاء كيان رسمي يؤسس لإدارة هذا الدرع الشبابي الخليجي ويطلعه على التطورات والإنجازات في كافة قطاعات المجتمع التعليمية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، حتى يكون هذا الدرع منبع إنجازات شباب الخليج بما يخدم الدول الأعضاء ويطورها في هذه المجالات وغيرها، وفي الوقت نفسه يمثل حصناً منيعاً يمتلك خلفية كبيرة عن أي قضية خليجية مصيرية ويدافع عنها بشراسة عبر القنوات الشبابية والإلكترونية وغيرها من مجالات أخرى.
كما إن هناك في كل دولة من دول مجلس التعاون إنجازات شبابية جميلة جداً تحتاج للتوأمة بينها وبين دول الخليج الأخرى.. نسمع بين فترة وأخرى عن مراكز أبحاث طبية متطورة في المملكة العربية السعودية تخرج بدراسات وأبحاث علمية وإنجازات طبية متميزة من قبل الأطباء الشباب ونحتاج لاقتباس هذه التجربة في دول الخليج أجمع.. نرى التطور العمراني والبلدي اللافت جداً في سلطنة عمان الشقيقة ومدينة الجبيل السعودية الصناعية، وجدت بأيدٍ وسواعد شبابها المحب ونطمح لأن يقتدي شبابنا بهم.. نشاهد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في النهوض بأجهزة إعلامية قوية أظهرت اسمها وإنجازاتها أمام العالم، ونحتاج للاستفادة من تجربتها هذه في تقوية إعلامنا المتأخر.. نسمع عن مؤتمرات شبابية جميلة في دولتي قطر والكويت مبتكرة في أفكارها ومواضيعها المطروحة في مجالات جديدة ونطمح لاقتباس ذلك من شبابها المجد.. إن تغذية الشباب عماد المستقبل وتسليحهم بمعرفة نقاط ضعف وقوة هذه الميادين وتطويرها سيوجد أجيالاً تخدمها ويوجد مشاريع خليجية موحدة تيسر للاتحاد الخليجي وتدعمه.
نريد درعاً شبابياً إعلامياً.. درعاً اقتصادياً وتنموياً.. درعاً صحياً وطنياً.. درعاً اجتماعياً وثقافياً.. درعاً تربوياً تعليمياً.. درعاً في الجمعيات الشبابية الناشطة والأعمال التطوعية في كل دولة.. كل هذه الدروع لقطاعات مهمة وتمثل الأعمدة الأساسية في أركان كل دولة ستعمل من خلال شبابها المتحد ذي الحراك والأنشطة فيها على دعم الاتحاد الخليجي وإيجاده بأسرع وقت ممكن والحفاظ عليه مستقبلاً لكونها تغذيه باستمرار وتدعمه بأنشطتها وحراكها الذي يأتي على يد الشباب وستشكل حصناً منيعاً ضد أن يدس سم المخططات الخارجية في عقول شباب المستقبل.