لم توصل قفزة المغامر النمساوي فليكس أية إشارة للعالم العربي سوى أنه عالم بطيء للغاية، هناك بدا كل شيء سريعاً جداً، هناك يحاولون استثمار الثانية الواحدة لصناعة الإنجاز وتطوير حياة البشر، بينما نحن متخلفون في كل شيء.
127 ألف قدم هي المسافة الهائلة التي قطعها فليكس، لكنه لم يستغرق سوى 5 دقائق فقط للوصول إلى الأرض، ولهذا المعنى دلالات واضحة على أمرين مهمين؛ الأول في ضخامة الإنجاز، والثاني في سرعة تحققه.
لم تتوقف نكت العرب كعادتهم بعد كل حدث عالمي، ولم ينجو فليكس من هذه النكت التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها كان سخيفاً والبعض الآخر منها كان في الصميم.
تقول إحدى تلك النكت الصميمية التي أطلقها أحدهم بعد وصول فليكس إلى الأرض سالماً غانماً “هل تعلمون أن فليكس نزل من السماء إلى الأرض في مدة لم تتجاوز الـ 5 دقائق، بينما مازلت أنتظر وجبة العشاء التي طلبتها (ديلفري) منذ أكثر من ساعة ونصف، رغم إن المطعم يقع خلف منزلنا!!”.
اليوم ومن أجل أن تنجز معاملة في وزارة أو مؤسسة حكومية عربية تحتاج لأيام أو أشهر أو لربما لأعوام طويلة، ولكي تنجز حكوماتنا العربية بعضاً من مشاريعها البسيطة فإنها تحتاج إلى دهور ممتدة.
طلبات إسكانية تجاوز عمرهــــــــا الـ 20 عامــــــاً بالتمام والكمال، ومواعيد تقويم الأسنان تصل في البحرين إلى أكثر من 15 عاماً، أما القضايا الشرعية وغير الشرعية في محاكمنا فإنها تحتاج لأعوام أحياناً كي يصدر فيها حكم نهائي، هذا ناهيك عن أمور كثيرة جداً؛ كمواعيد المستشفيات الحكومية طويلة الأمد أو المفتوحة، وكتوصيل الكابلات الكهربائية إلى المنازل، أو الوقت الطويل الذي نستغرقه لتغيير عنوان مساكننا، ومازالت الطوابير الطويلة هي عنوان حكوماتنا.
في الصين، تم بناء عمارة تتكون من 30 طابقاً في غضون 15 يوماً فقط، ونحن كي نحفر نفقاً أو نعلق جسراً أو نوسِّع مكتباً حكومياً ليتسع وأعداد المراجعين فإننا نحتاج لألف سنة ضوئية، وتظل النتيجة واحدة، وهي أننا تأخرنا في كل شيء، ولم نحصل على المنجزات في وقتها، لأن البُطء هو عنوان كل مرحل حياتنا.
لا يعقل أن يصل فليكس إلى الأرض قافزاً من السماء في خمس دقائق، لهذه اللحظة لم تصلنا رسائلنا عن طريق البريد الممتاز، أو لم يغطِ المقاول حُفره التي حفرها في قلب الشارع حتى الآن، والتي تجاوز عمرها العشرين عاماً!!.
وصل فليكس من السماء في خمس دقائق، بينما حين أخرج من بيتي إلى المنامة أحتاج إلى ساعة كاملة!
إن في قفزة فليكس مجموعة من الدروس والعبر، غير ما يراه العرب في صناعة النكت ضدها، ما يجب الاستفادة منه.
إن العرب أطلقوا كلمة (سقوط) على نزول فليكس محمَّلاً بالإنجاز العلمي، بينما الغرب أطلق كلمة (قفز)، وهو المعنى الأنسب والعنوان الأفضل لمغامرة فليكس، لأن القفز يشير إلى التقدم نحو الأمام بينما السقوط يعني النهاية السيئة.
لن أكون طماعاً جداً، حتى أطلب من وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية أن تكون (فليكسية) نسبة إلى المغامر فليكس، لكن على الأقل نطلب منها جميعنا أن لا تكون (سلحفائية)، أليس كذلك؟