المتابع للتصريحات التلفزيونية والصحافية التي يوزعها شمالاً وشرقا الشاب اللندني علي مشيمع (وريث حسن مشيمع الذي عاد من لندن مبشراً بالجمهورية وتم الحكم عليه لاحقاً بالسجن) وما ينشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تغريدات؛ يتبين له مقدار العنف الذي يحمله بين جنباته رغم الهدوء الذي يكتسي وجهه وحديثه، وهو عنف من الواضح أنه يفوق ما يتمتع به والده المعروف بدعواته في هذا المجال وتطرفه. وإذا كان مشيمع الأب «يأخذ ويعطي» أحياناً لزوم العمل السياسي؛ فإن مشيمع الابن يتجاوز كل شيء ويدعو إلى انتزاع ما يريد بالأنياب والمخالب.
شكل من أشكال العنف ينمو مع نمو مشيمع الصغير الذي لا يتردد في القول «إن حقوق الناس تنتزع بالأنياب والمخالب وليس بالخطابات والبكائيات»، في رسالة واضحة إلى الجمعيات السياسية، خصوصاً «الوفاق» و»وعد»، اللتين صار لهما أكثر من تصريح تعلنان من خلالها نبذهما للعنف وتحاولان إدانته وتدعوان إلى الالتزام بالحراك السلمي في المطالب وإن كان على استحياء ومواربة.
كما لا يتردد هذا الشاب المتحمس في القول «يجب أن يفهموا -أين النظام- أن لصبر الغيارى حدوداً وأن قوتهم مهما تعاظمت فهي تنكسر أمام قوة الإرادة الثورية وعزيمة المقاومة»، وهو قول يحمل من التهديد والوعيد الكثير، ولعله يلمح من خلاله إلى أمر ما قد يكون وعداً حصل عليه في زيارته الأخيرة إلى طهران، والتي دعا خلالها بوضوح مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي إلى التدخل في الشأن البحريني بعدما أكد له أن «ثوار البحرين» يستلهمون روح الثورة منه ومن الإمام الخميني والثورة الإيرانية. لا بأس أن يدخل هذا الشاب معترك العمل السياسي، ولا بأس أن يرث من أبيه حبه لهذا العمل وأن يسعى إلى «خدمة وطنه»، لكن أن يرث الأسلوب نفسه الذي اعتمده والده في العمل السياسي فهذا أمر يشفق عليه منه، حيث العنف الذي أوصل والده إلى الأبواب المغلقة وكلف من سعى من أجلهم الكثير من الآلام سيوصله إلى الطريق ذاته، ولن يتمكن في خاتمة المطاف من تحقيق شيء للناس الذين يحرضهم على العنف، حيث العنف لن تقابله السلطة -أي سلطة- بابتسامة أو ضحكة.. وهذا حقها.
ليس هو الوحيد الذي يدعو إلى العنف؛ فالمقيمون في الخارج والذين لا يصلهم لهيب ما يجري في الداخل -ربما بسبب برودة الطقس هناك- كلهم يدعون إلى اتخاذ العنف سبيلاً، وما يجري في الساحة هنا من أفعال لا تليق بالإنسان البحريني هو نتيجة ذلك التحريض الذي لا يتوقف، حتى صار أمراً عادياً مشاهدة مجموعة من الشباب الصغار يجرون وبأيديهم زجاجات المولوتوف الحارقة ويرمونها على رجال الأمن وعلى كل من يحاول أن يقف في طريقهم أو حتى ينصحهم.
ما حدث في الأيام الأخيرة -والتي يفترض أن ينشغلوا فيها باعتبارهم مسلمين بالعبادة خصوصاً في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة وهو من الأشهر الحرم- ما هو إلا نتيجة طبيعية لذلك التحريض، حيث قتل شاب لم يبلغ العشرين بعد لا لشيء إلا لأنه رجل أمن، وجرح آخر للسبب ذاته، وتعرض كثير من رجال الأمن «لهجمات حيدرية» ليس آخرها ما حدث عند جسر السيف الجمعة الماضية ما هو إلا نتيجة لتلك النداءات المحرضة الداعية للعنف والداعية لانتزاع الحقوق بالأنياب والمخالب.
هو التحريض إذاً، الذي تتعدد أشكاله ويتعدد أبطاله الذين يستغلون مختلف وسائل الإعلام لشحن الشباب الذي للأسف لا يدركون ما يحاط بهم ويرمى بهم في أتون معركة يعرفون مسبقاً أنها خاسرة.
ما مشيمع الإبن إلا مثالا للتحريض، آمن بالعنف فصار نسخة غير محسنة لمشيمع الأب.