تعتبر بريطانيا الدولة الاستعمارية الأولى في العالم، فنصيبها من الدول التي استعمرتها أكثر من باقي الدول، ومن الدول التي وضعت أقدامها فيها مملكة البحرين، والعلاقات بين بريطانيا ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية قديمة جداً، فأول اتفاقية وقعتها مملكة البحرين مع بريطانيا كانت في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عام 1820، وأول اتفاقية وقعتها المملكة العربية السعودية مع بريطانيا كانت عام 1915 في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، وتلت هاتين الاتفاقيتين بين المملكتين وبريطانيا العديد من الاتفاقات منها السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية. هذه الاتفاقات عززت العلاقات بين هذه البلدان وساهمت كثيراً في تطويرها.
ورغم متانة هذه العلاقات إلا أن بريطانيا لا تنظر إليها من الزاوية الحقيقية؛ فالمملكتان تكنّ كل تقدير واحترام لبريطانيا وقياداتها السياسية، إلا أن بريطانيا تترجم هذه العلاقات بوجهين مختلفين، الوجه الأول وجه باسم ومتعاون مع حكومة مملكة البحرين والعربية السعودية، والوجه الثاني أنها تحتضن الأشخاص الذين يُعارضون سياسة المملكتين وتقدم لهم العون والمساعدة، وتقوم بريطانيا أحياناً بإرسال مجموعة من الأفراد تحت تسميات سياسية وحقوقية مختلفة ومتنوعة إلى المملكتين من أجل ما تسميه من “تقصي حقائق الأوضاع السياسية والحقوقية”، والمهم لدى هذه الأفواج المبتعثة أن تملأ استماراتها الورقية بأي كلام تحصل عليه من هنا وهناك دون التأكد من صحته أو مساءلة الطرف الآخر المتمثل في حكومتي المملكتين، ومن ثم تعرض هذه الأوراق المكتوبة والتي تسميها التقارير على الملأ دون التيقن من تداعيات نشر هذه التقارير. ولاشك أن تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى يعتبر إهانة لها وأنها تؤثر على العلاقات بين البلدان وقد تؤدي إلى تعطيل كثير من المصالح بينها كتجميد الاتفاقات التجارية الموقعة بينها.
فماذا تريد بريطانيا من هذه التقارير؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟ ألا يُسمى ذلك تدخلاً في شؤون الدول الأخرى؟ أترضى بريطانيا أن يذهب أعضاء من مجلس الشورى السعودي وأعضاء من مجلس النواب والشورى البحريني ليتقصى ما يحدث في بريطانيا من أحداث ويكتب عنها التقارير وينشرها على الملأ؟ إذا كانت بريطانيا ترفض التدخل في شؤونها الداخلية فلماذا تتدخل في شؤوننا الداخلية؟ وما هي مبررات وأهداف بريطانيا من فتحها التحقيق في علاقاتها مع المملكتين البحرينية والسعودية؟ وعندما توجه بريطانيا الانتقادات إلى أية دولة لانتهاكها لحقوق الإنسان؛ فهل حقوق الإنسان البريطاني والمقيم في بريطانيا هي حقوق كاملة؟ وعندما تدعي بريطانيا بأن ليست هناك انتهاكات لحقوق الإنسان البريطاني فلماذا قمعت مؤخراً الاحتجاجات الشعبية البريطانية؟ وفرضت غرامات مالية على كل مَن تم القبض عليه وعلى ولي أمره لكونه مسؤولاً عن تصرفات ابنه؟
مع الأسف إن المسؤولين البريطانيين الذين يزورون أقطارنا يصفون ديمقراطيتنا بأحسن الأوصاف، ومن عاصمتهم يتم إصدار التقارير المناقضة لتصريحاتهم الإعلامية في عواصمنا العربية التي يمدحون فيها التوجهات الإصلاحية وبديمقراطيتها؛ ومع الأسف يعتقد هؤلاء أن تصرفاتهم ديمقراطية وصحيحة، وهم أصحاب الباع الأكبر في السياسة والديمقراطية ونحن كشعب عربي لم نصل بعد إلى هذا الاستحقاق الديمقراطي؛ ولنسأل هؤلاء الديمقراطيين والسياسيين البريطانيين؛ لماذا تعتبرون أن مَن يَخرق القانون وينتهك حُرمات المواطنين مناضل وطني!! وعندما يأتي القانون البحريني أو السعودي على -سبيل المثال- ويقبض على هذا المنتهك للقانون والحُرمات تدعون أن هذه الدولة وتلك قد انتهكت حقوق هذا الإنسان؟
إن ما يدفع المملكة المتحدة لهذا التوجه هو سياستها تجاه الآخرين، وهي سياسة تعتمد على تحقيق المصالح البريطانية أولاً وقبل كل شيء، وهي تدري أنها لو تدخلت في شؤوننا الداخلية في كل يوم وفي كل ساعة فإن مصالحها في بلادنا لن تتأثر، لذا لابد من القيادات أن تعمل على تصحيح هذه النظرة البريطانية المتغطرسة تجاهنا، وأن تعرف بريطانيا أن الأمن والاستقرار البحريني هو دائماً وأبداً قبل المصالح البريطانية، ومثلما لا تريد بريطانيا أن يتدخل أحد -أياً كان- في شؤونها الداخلية كذلك فالبحرين والسعودية وكافة الأقطار العربية ترفض نهج التدخل البريطاني وأجنداتها السياسية والديمقراطية. ولتدرك بريطانيا جيداً أن دخول قوات درع الجزيرة العربية “والبحرين عضو في هذه المنظومة العسكرية” لم يكن تدخلاً عسكرياً ولا غزواً مثلما فعلت بريطانيا وغزت العراق مع سيدتها الأمريكية في عام 2003 بل كان لحماية المنشآت البحرينية من الأجندات الخارجية، وصفحات التاريخ مليئة بسجلات الغزو العسكري والاحتلالي الدامي البريطاني لأكثر من ثلثي دول العالم.
ورغم أن العلاقات بين بريطانيا ومملكتي البحرين والسعودية قديمة كرستها الكثير من الاتفاقات والمعاهدات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية إلا أن ذلك لا يعني أن الباب مفتوحاً لبريطانيا لتتدخل في الوقت الذي تشاء في شؤوننا، وإذا استمرت في ذلك فعلى القيادات في المملكتين إعادة تقييم هذه العلاقات وهناك الكثير من الخيارات التي يمكن اتخاذها بشأن هذه العلاقات. ولتعرف بريطانيا أيضاً بأن العلاقات البينية لأقطار مجلس التعاون في الخليج العربي هي شأن داخلي يخص هذه الأقطار فقط.