في مقالات سابقة تحدثنا أكثر من مرة عن الأسباب التي تجعل الجمعيات الخمس (وعد، التجمع القومي، التجمع الديمقراطي، المنبر التقدمي، الإخاء) إلى التحالف مع الوفاق والوقوف معها في خندق ما يسمى بـ«المعارضة” رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما.
واليوم ومع تصاعد موجة العنف في الشارع بات من الضروري بل ومن المهم أن يصدر عن هذه الجمعيات موقف واضح وصريح عما يجري في الساحة المحلية من أعمال إرهابية يتمثل في الإدانة والاستنكار لكل هذه الأعمال، ولا مجال اليوم الوقوف في المنطقة الرمادية؛ لأن الوقوف في هذه المنطقة ليس له إلا معنى واحداً وهو إقرار هذه الأعمال والموافقة عليها، ما يعني أن هذه الجمعيات التي تعمل في إطار قانون الجمعيات السياسية يفترض فيها أن تمارس نشاطها السياسي بطرق سلمية شريكة في هذه الأعمال؛ لأنها لاتزال على موقفها مما يجري في الساحة الوطنية فهي تتبنى موقف الوفاق التي لا تدين الأعمال الإرهابية بل تبررها بحجج غير واقعية. وهي تعيش في كنف جمعية الوفاق وتسير خلفها وتأتمر بأوامرها رغم أن هذه الجمعيات لا تتقاطع معها أيديولوجياً؛ فهي تقوم على أسس علمانية في حين أن الوفاق ترتكز على أسس دينية مذهبية، وتزيد على ذلك بأنها تتمسك بتعاليم مدرسة فقهية في المذهب الجعفري تؤمن بولاية الفقيه.
وإذا كانت هذه الجمعيات مبنية على أسس علمانية كتلك التي تستمد جذورها من الفكر الشيوعي الماركسي - اللينيني والأخرى التي تتبنى الفكر القومي العروبي! فإن الحالة الطبيعية لهذه الجمعيات أن تكون تحالفاتها مع جمعيات تشترك معها في هذه الأسس، لكن الحاصل هنا أننا نجدها ترتبط بتحالف يكاد يكون كاثوليكياً في هذه المرحلة مع جمعية تنطلق في حراكها السياسي من المعتقد الديني، في تناقض صارخ مع الأيديولوجية التي تؤمن بها تلك الجمعيات، وهذا ما يقودنا إلى البحث عن السر الذي يدعو مثل هذه الجمعيات العلمانية إلى الاصطفاف مع “الوفاق” والحركات الأخرى التي تقود العنف في الشارع كحركتي “حق” و«وفاء” غير المرخصتين، وجميعهم يتبنون الفكر الديني المذهبي الذي يحتل فيه المرشد دور الآمر الناهي في توجيه هذه الجمعيات، كما يثير تساؤلنا حول الأسباب الجوهرية التي تفضي إلى لم الشامي على المغربي.
ما يدعو هذه الجمعيات إلى تبني الموقف السياسي لجمعية الوفاق، رغم الاختلاف الأيديولوجي العميق بينهما، هو اعتقادها أن الوفاق هي الجمعية الوحيدة القادرة على تحريك الشارع بسبب ما تملكه من قاعدة جماهيرية (مؤمنة)، بمعنى أن الدين والمذهب يمثلان ركناً أساسياً في توجهاتهم السياسية، وبذلك تستطيع هذه الجمعيات الاستفادة من هذه الورقة في الضغط على الحكومة إذا ما تحالفت مع الوفاق، خصوصاً في ظل انحسار جماهيريتها، بدليل أن هذه الجمعيات لم تفز بمقعد واحد لأحد مرشحيها في انتخابات مجالس النواب الماضية، الأمر الذي يمكن أن يكون أحد أسباب تمسكها بأهداب الوفاق لعل وعسى أن تذكر لها هذا الجميل وتحقق أحلامها وتكافئها على وقوفها معها في حالة حصولها على مكاسب يمكن أن تجنيها من الحكومة إذا ما دخلت معها في حوار أو مفاوضات خلال الفترة المقبلة.
من جانب آخر، أن وصول بعض القيادات التي تميل في هواها إلى قيادات الوفاق إلى رئاسة هذه الجمعيات هو ما دفع هذه القيادات في اتجاه الارتماء في أحضان الوفاق وتبني مواقفها. وأن ما يدعونا إلى تبني مثل هذا الرأي هو انسحاب بعض القيادات المعروفة في تلك الجمعيات من الواجهة السياسية وانزواؤها وعزوفها عن الاشتغال بالعمل السياسي بعدما وجدت أن هناك انحرافاً واضحاً في خط سير هذه الجمعيات وخروجها عن أهدافها وتوجهاتها السياسية المعروفة، مما أعطى الفرصة للقيادات الجديدة التحكم في قرارات الجمعيات وتجييرها لصالح أهدافها التي تتقاطع مع أهداف الوفاق.
من هنا يلاحظ المراقب في الفترة الأخيرة انسجام الخطاب السياسي والإعلامي لهذه الجمعيات مع خطاب الوفاق وتطابقهما رغم اختلافهما أيديولوجياً.
أخيراً نقول إن تصاعد موجة العنف في الشارع في الفترة الأخيرة وارتفاع منسوبه بهذه الصورة اللافتة للنظر يتطلب من الجميع، وعلى رأسها تلك الجمعيات، أن تراجع حساباتها ومواقفها إذا كانت بالفعل تريد أن تسهم في تخفيف حدة التوتر وعدم تطور الأمور إلى أسوأ مما عليه الآن والخروج من هذا النفق الذي وضعتنا فيه جماعات التأزيم، وأن تستمع إلى صوت العقل وألا تدخل في مزايدات حول هذا الموضوع، حيث إن الحالة التي نعيشها لا تحتمل مثل هذه المزايدات، وكما قلنا في البداية أن الوقوف في المنطقة الرمادية ليس لها مكان في المشهد السياسي المحلي في الوقت الراهن.