عند الإجابة عن السؤال أعلاه من زاوية الرؤية الغربية للمسألة، يعتبر على صواب كثير من المحللين إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية على نقيض فلسفة الأنوار تعبر عن موقف استعماري ضد فكرة تطور التاريخ نحو الانعتاق والتحرر والديمقراطية، فهذه السياسة دعمت ظاهرة الإرهاب وأسست لها في أفغانستان كما دعمت ما يسمى بالإسلام السياسي في عديد من الدول العربية ولاتزال، ولا أحد يجهل دعم الولايات المتحدة اللاّمشروط للكيان الصهيوني. وتزعم الولايات المتحدة الأمريكية إنها تمثل الأسلوب الأمثل والنموذج الأرقى للديمقراطية، فتستبيح لنفسها احتلال العراق ونهب ثرواته كمقدمة «لتغيير خارطة الشرق الأوسط».
وهكذا نرى أن ظاهرة العولمة، عوض أن تؤسس فعلاً للحكم الرشيد ونعني مبدأ احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان باعتبارها دعائم أي تجربة ديمقراطية ارتبطت بظاهرة قديمة جديدة تعيدنا قروناً إلى الوراء ألا وهي ظاهرة الاحتلال العسكري المباشر وظاهرة الحرب على الإرهاب التي تستبيح بها وبدعوى الدفاع عن أمنها، الهيمنة والاحتلال العسكري على أي بقعة من العالم (أفغانستان، العراق....) وتنظّر لما تسميه بالحروب الوقائية والاستباقية.
وقد كانت لهذه السياسة انعكاسات خطيرة على مجال حقوق الإنسان، إذ انتهكت حقوق الأقليات في الغرب، وسنت قوانين جديدة للهجرة وحدّت من منح الجنسية للعرب والمسلمين، لتشدّد الخناق على «المسلمين» خاصة، بل ونلاحظ غضاً واضحاً للطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في عدة أصقاع من العالم يكفي أن تكون حليفة للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وشرّعت بذلك قمع الإرهابيين والتحرريين ولا غرابة أن يتحدث بعض المفكرين عن عولمة متزايدة لانتهاك حقوق الإنسان بدلاً عن عولمة للحكم الرشيد!!!
أما من زاوية الدول المدعوة إلى اعتماد الحكم الرشيد، وإذا ما اعتمدنا مثال الجامعة العربية التي تبنت منذ سنة 2004 مفهوم التطور السياسي ومفهوم الديمقراطية ومفهوم الحرية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وصولاً إلى طرح الحكم الرشيد صراحة لكن بقيود عديدة تعكس ذاتية الطرح من وجهة نظر الدول العربية، حيث تفصل وثائق الجامعة العربية بين الحكم الرشيد ومفاهيم الإصلاح بصفة عامة وفي ذلك قفز واضح على حقيقة أن الحكم الرشيد لا يتم إلا بإصلاح ديمقراطي.
ومن خلال نموذج الولايات المتحدة وطرحها الواضح وممارساتها الأوضح في إطار دعم «الحكم الرشيد» ونموذج الجامعة العربية وطرحها الخصوصي لتبني مفهوم الحكم الرشيد نتبين أن هذا المفهوم تتجاذبه الأهواء والمزايدات وتزداد أمامه التحديات ذات الطابع الدولي والتحديات ذات الطابع الوطني وذلك يتطلب حتماً تضامن جهود جميع قوى المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان لضبط استراتيجيات واضحة تعتمد التنسيق المستمر من أجل تعزيز الاتجاه نحو الإصلاح والديمقراطية ضمن منظور يتعالى على المصالح الضيقة والأطروحات غير البريئة ليعمل على المتابعة والنصح والدعم من مجال إرساء قواعد موضوعية لحكم رشيد يراعي ثوابت الديمقراطية والإصلاح وتحقيق خطوات أسرع في دعم التنمية بما يؤسس لعالم يحلو فيه العيش ويدوم ويتداول ويحترم فيه الرأي والرأي الآخر وتحلّ فيه الخلافات بالحوار والتعايش السلمي.
فليكن الحليف الأفضل هو الذي ينجح في كسب معركة التنمية الاقتصادية والديمقراطية بما يؤدي بالضرورة إلى المساعدة على إرساء قواعد صلبة ونهائية لما يسمى بالحكم الرشيد وما يستتبعه من انفتاح سياسي وديمقراطية اجتماعية واحترام شامل لحقوق الإنسان في إطار المحافظة على الأمن والاستقرار وبناء دولة القانون والمؤسسات والمشاركة القائمة على المواطنة المتساوية.