في الوقت الذي كان يترقب فيه الخليجيون بمختلف أطيافهم السياسية، ونخبهم الثقافية وعموم شرائحهم الاجتماعية الإعلان عن قيام الاتحاد الخليجي خلال القمة الأخيرة التي عقدت في المنامة في الرابع والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الحالي، إلا أن ذلك لم يحدث، إذ جاء بيان المنامة الصادر عن قمة المنامة خالياً من هذا الإعلان حيث تم ترحيل هذا البند من جدول أعمال هذه القمة إلى اجتماع القمة التشاورية التي من المقرر أن تلتئم في الرياض بعد ستة أشهر من الآن.
وجاء هذا التأجيل وفقاً لتصريحات المسؤولين في الأمانة العامة لمجلس التعاون وبعض المسؤولين في الدول الخليجية لإعطاء الدول الأعضاء مزيداً من الوقت للبحث والدراسة لهذا المشروع الحيوي الهام الذي تنتظره شعوب الخليج بفارغ الصبر، ولتأخذ اللجان المتخصصة التي أنيطت بها مسؤولية دراسة هذا المشروع الوقت الكافي لتقديم مرئياتها حول أفضل الصيغ والأسس التي من شأنها أن تخلق الأرضية المشتركة والقواعد الصلبة التي يقوم عليها الاتحاد.
إن هذه المبررات يمكن أن تكون مقبولة إذا كانت هي بالفعل وراء تأجيل إعلان الاتحاد؛ لأننا كخليجيين نطمح في أن يكون الاتحاد مبنياً فوق صخور صلدة، ووفق دراسات علمية بحتة تلامس أغوار المشكلات المطروحة بدقة وروية متناهية يقوم بها فريق متعدد ومتكامل الاختصاصات بحيث يقدم لنا تصوراً متكاملاً لمشروع الاتحاد تكون فرص نجاحه أكثر من فرص فشله. أما إذا كانت هذه المبررات غير واقعية ولا تعكس ما يدور خلف الكواليس في بعض الدوائر السياسية المغلقة في بعض بلدان الخليج، والتي ترى أن لديها من الأسباب ما يجعلها تتحفظ على المشروع بكامله، وليس على بعض المسائل التي لو تم إزالتها فهل يعني ذلك في لحظتها أنها لن تتردد في الموافقة على المشروع والانضمام إليه.
في تقديري، أن الإشكالية لا تكمن في أن بعض دول الخليج لديها بعض التحفظات على بعض المسائل المتعلقة بمشروع الاتحاد؛ لأن مثل هذه المسائل ربما يكون حلها صعباً ولكن ليس مستحيلاً. ولكن الإشكالية في رأيي تتمثل في أن بعض دول الخليج غير متحمسة للاتحاد ولديها توجس حياله وغير مقتنعة، ولذا فهي ترى في الصيغة الحالية للعمل الخليجي المشترك بأنها تؤدي الغرض وتفي بالمطلوب ولا تطمح في أكثر من ذلك، لذا فهي لا ترى أن هناك ضرورة ملحة لقيام الاتحاد في الوقت الراهن. وبسبب ذلك نرى أن الدول الخليجية المتحمسة للاتحاد كلما تقدمت بخطوة في هذا الاتجاه نجد في المقابل أن الدول المتحفظة تتقدم بخطوتين في عكس اتجاه الدول المتحمسة، لهذا السبب وكما يرى المراقبون للمشهد الخليجي يتم في كل مرة ترحيل ملف الاتحاد وتأجيله.
ورغم تلك الصعوبات والعراقيل المعلنة وغير المعلنة التي تقف في وجه قيام الاتحاد، إلا أن جذوة الأمل بالاتحاد لاتزال ملتهبة في صدور الخليجيين أن يصبح الاتحاد واقعاً على الأرض الخليجية، التي لو تنطق لقالت بملء فمها أن الاتحاد بين دول الخليج ليس ترفاً، وإنما بات ضرورة تحتمها التحديات والأخطار المحدقة بهذه الدول والتي تستدعي اليوم قيام الاتحاد لمواجهة هذه الأخطار. فدول الخليج التي حبا الله أرضها بثروة نفطية هائلة وموقع استراتيجي هام جعلها محط أطماع بعض الدول الأمر الذي يتطلب منها اليوم أن تقرأ المشهد بدقة وعناية وأن تستشرف المستقبل بأن تتجاوز تلك العراقيل والصعوبات التي تحول دون موافقتها على مشروع الاتحاد.
ومما يبعث الأمل في نفوسهم مجدداً ويجعلهم أكثر تفاؤلاً بقرب تحقيق حلمهم في رؤية علم الاتحاد يرفف في سماء دول الخليج العربية قاطبة، هو أن فكرة الاتحاد لاتزال باقية، وأن جمرتها لم تنطفئ بعد وأن ما يطمئنهم أكثر هو موقف المملكة العربية السعودية المتحمس لقيام الاتحاد. هذا الموقف الذي جسده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها في المؤتمر نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، والتي جاء فيها أنه يتأمل في أن «تتبنى دول الخليج الإعلان عن الاتحاد في قمة الرياض المقبلة» ومعبراً أن الانتقال إلى مرحلة الاتحاد سيحقق الخير لشعوب الخليج.
إن التحديات والأخطار التي تواجه دول الخليج العربية لا يمكن مواجهتها فرادى، لذا لا بد لهذه الدول مواجهتها جماعياً وهذا لن يتحقق لها في ظل الصيغة الحالية لمجلس التعاون، الأمر الذي يتطلب من دول الخليج التي لاتزال تتحفظ على المشروع أن تكسر هذا التحفظ وتحجز مقعدها في قطار الاتحاد.
نأمل أن يكون عام 2013 هو العام الذي يتحقق فيه حلم الاتحاد على أرض الواقع. مع علمنا أن الغربيين يتشاءمون من رقم 13، لكن نحن المسلمين لا نشاركهم هذا الرأي؛ لأن رسولنا الكريم قد نهى عن التشاؤم والتطير في قوله صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة» وبإذن الله سيكون العام القادم هو عام الاتحاد في دول الخليج العربية.