عاد مؤتمر «حوار المنامة» في دورته الثامنة كمحطة عالمية شاخصة لتباحث القضايا الراهنة بعد غيابه العام الفائت؛ إثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين. ناقش المؤتمر، قضايا الأمن الإقليمي في ضوء التحديات الأمنية والاستراتيجية التي فرضتها تطورات الساحة الإقليمية والساحة الدولية، وتبعاتها المستقبلية.
ولعله لا يخفى على أحد أن «حوار المنامة» ينعقد للمرة الثامنة في عاصمة المملكة البحرينية باجتماع عشرات من المسؤولين الرسميين ورجال الأعمال والشخصيات الدولية وعدد من المفكرين والاقتصاديين والساسة، من مختلف دول العالم؛ وذلك بغية تبادل وجهات النظر إزاء التحديات الأمنية الإقليمية.
وكانت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد مملكة البحرين، أنموذجاً فريداً للتوازن الفكري وعبقرية الرؤية المستقبلية والنظرة الثاقبة، بطرح سموه لمرئيات وواقع المشهد السياسي بحيادية تامة، وقراءة واعية متقنة لمعطيات الملف الأمني والاستراتيجي في المنطقة، بعمق شمولي يضع في اعتباره عراقة التاريخ وأصالة الثقافة البحرينية، فضلاً عن خصوصية الهوية الوطنية بنموذجها المستقل من جانب، والمنضوي في منظومة خليحية عربية من جانب آخر في آنٍ واحد.
تناول صاحب السمو الملكي في كلمته الصعوبات والتحديات التي تواجهها المملكة وما يترتب عليها من مسؤوليات التواصل والتأثير المتنامي، مع اكتساب مشروعية ممارساتها على المستوى الدولي في ظل الاهتمام الخارجي المتصاعد والآخذ في الازدياد. ومع وعي سموه الشديد بنجاح عمليات الإصلاح والبرامج التطويرية الجمّة التي خضعت لها كافة أنظمة وأجهزة الدولة ومرافقها على يد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة -عاهل البلاد المفدى، إلاَّ أنَّ سموه الكريم أدرك مبكراً ما يمكن أن يرافق العمليات الإصلاحية من منعطفات وتحديات تفرض على الدولة التعامل معها بحكمة واتزان.
ولم يغفل سموه عن تفسير معطيات المشهد السياسي البحريني مع التركيز على العوامل المؤثرة في تأزيمه وتأجيج الأزمة التي مرت بها البحرين في مراحل مختلفة، في ظل الثورة المعلوماتية التي تمخض عنها انتشار استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وما ترتب عليها من تضخيم وتصعيد للمجريات السياسية والأمنية داخل المملكة وخارجها مع سهولة تمرير الشائعات ونشر الأخبار المكذوبة أو المحرفة، وذلك ليقين سموه بخطورة الإعلام في كافة صوره الرسمية وغير الرسمية.
وتكشف المواقف يوماً بعد يوم عن الأمير الإنسان الداعي لنبذ العنف، فإن اعتبر البعض العنف آخر الحلول، فيما اعتبره الراديكاليون أولها، إلاَّ أنه نفى كون العنف حلاً لمواجهة أي وضع مأزوم في المملكة، مبيناً سموه رؤيته الإنسانية السامية لجميع من انتقد الحكومة في مرحلة أو أكثر، والمطالبة باتخاذ إجراءات ذات طابع عنيف كرد فعل إزاء عمليات الإرهاب والتخريب في المملكة. وامتدت رؤية سموه لضرورة التماسك واللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد، والانضواء تحت راية البحرين بلا انقسامات وتفرعات انتمائية أخرى؛ بغية تعجيل تعافي الجراح ولمّ الشمل.
ولعل الأزمة التي مرت بها البحرين لم تكن فرصة لإعادة لمّ الشمل الداخلي وحسب، بل أتاحت فرصة أكبر لمزيد من التعاون الخارجي المشترك والتكاتف الدولي في الملمات تجلى في أروع صوره بدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسهم دارا «بومتعب» و«زايد». كما إنها أسهمت في تفعيل دور رجال الأمن ووزارة الداخلية، في خلق مجتمع بحريني تتعايش فيه جميع الأطراف في ظل الأمن والاستقرار، وفي ظل ضبط النفس الذي لطالما تحلى به منسوبو وزارة الداخلية من أجل أداء دورهم الوطني، باذلين في ذلك الأنفس والدماء رخيصة من أجل الحبيبة البحرين.
^ نبض الأحبة..
سلمان بن حمد رجل فريد، ربما لن يتكرر في التاريخ مثله، فهو الأمير الإنسان، الحكيم الداعي للحوار والسعي للأفضل؛ فسموه لم يتعامل بأقصر الطرق لحل الأزمة البحرينية والقضاء عليها، وإنما اختار ركوب الصعب من أجل أن تحط المملكة على بر الأمان بأقل مستوى من الخسائر. وليس هذا بمستبعد ولا بعيد عن وائلي الأصل، لطالما أن والده القائد حمد بن عيسى، فهذ الشبل من ذاك الأسد، ولعمري.. فلنعم الشبل.. ونعم الأسد.