حين قرأت الاتفاقية الأمنية الخليجية في منتصف نوفمبر الجاري؛ اكتشفت فيها خطأ مساواة الحياة الكريمة بالجريمة في الفصل الخامس فقرة 35، ولأنني قد حملت رتبة مثير للمشاكل في القضايا الإقليمية، والتي أثقلت كاهلي بعد مقال «لا بديل لميناء بوبيان إلا مفاعل وربة»، رغم أنني قد صغت أفكاري فيه بأسلوب هزلي؛ إلا أن الأمر قد وصل جراء ذلك لتكبد سفير الكويت في بغداد عناء نفي بناء المفاعل جملة وتفصيلاً.
بناء على ذلك رتبت ملاحظتي حول الاتفاقية الأمنية على (تويتر) في صندوق الدعابة، وقلت بضرورة تقديم «القهوة الطيبة» وحسن الظن في من صاغها، فكيف يدور في ذهنه مساواة حياة المواطن الكريمة الخليجي بالجريمة، وحتى لا اُتهم بارتكاب أثم التصيد في الماء العكر حملت الطباع تلك الغلطة، لكن حامل رتبة أشرس من يتناول القضايا المحلية -وعمد هذا اللقب بالدم- الزميل زايد الزيد، وهو لمن لا يعرفه الإعلامي والكاتب وناشر تحرير جريدة الآن الإلكترونية، وفي رصيده الصحافي الحافل الكثير من القضايا منها «الداو كيميكال» بالكويت.
لقد قام الشرس بوطلال بتفنيد الكثير من بنود الاتفاقية الأمنية الخليجية كقضية سيادة كويتية بقوته المعهودة، لكنه أشعرني بالحيرة حين أشار في مقاله «الخلاصة الاتفاقية الأمنية» إلى إن الاتفاقية الأمنية الخليجية، كما جاء على لسان معالي وزير الداخلية الكويتية، هي وثيقة سرية لم ولن تنشر بسبب طبيعتها الأمنية، وعليه لم يعد بمقدورنا مناقشة بنود الاتفاقية طالما قال معالي الشيخ أحمد الحمود أنها سرية قاطعاً الطريق على من ينتقد البنود المنشورة على افتراض أنها ما وقع عليه وزراء الداخلية في الرياض، بل وقاطعاً الطريق على المؤيدين لها والقائلين أن من مزايا الاتفاقية الأمنية الجديدة، أن وزراء الداخلية لم يوقعوا عليها ارتجالاً، ولا بدوافع عاطفية تعاند الحقيقة والمنطق، بل ووصفها البعض بأنها قد جاءت ناضجة ومدروسة وواقعية، تضمن نجاحها، ودورها الضروري على الساحة بما يتناسب مع المعطيات والاستحقاقات والحقائق رغم تأخرها. لكن ختم الوثيقة بكلمة «سري» من وجهة نظرنا قد جاء للأسف كمفتاح لقضايا بأهمية بنود الاتفاقية نفسها ومنها:
- إن سرية الوثيقة أدى لتقبل الخليجيين لما هو متوفر ومنشور على تويتر، سواء كانت الاتفاقية الأصلية أم مسودة غير منقحة، أم نسخة زورها من لا يريد الخير للخليجيين وتحمل ما لم يرد في الاتفاقية الأصلية، وتم تسريبها عمداً لتحريض الشباب ضدها.
- لا زال صانع القرار الأمني في دول الخليج يمارس الإدارة بالغموض كمنهج عمل، رغم أن عصرنا يتطلب بناء جسور الثقة مع مواطنيه يوماً بيوم طالما في عنقه بعد الله عزوجل مهمة حفظ أرواحنا.
- تكتسب الاتفاقية الأمنية عن غيرها من الاتفاقيات الأخرى أهمية خاصة، لكن من نشرها لم يحسن اختيار الإجراء المناسب لوصولها للشارع الخليجي، حيث لم يراعِ حالة التوتر المتصاعدة في المنطقة، ونبذ الشارع كله لمفردة «الحل الأمني» والإجراء الأمني» وحتى الاتفاق الأمني.
- لقد اُريد للاتفاقية الأمنية الخليجية أن تحقق تكاملاً أمنياً بمستوى التهديدات، في الوقت الذي يلوم المواطن الخليجي منظومة مجلس التعاون على عدم تحقيق ذلك التكامل في الشق الدفاعي من الأمن، بل أن هناك من تحدث عن شرطة خليجية قبل أن يحقق الجيش الخليجي، فظهر الجنوح للشق الأمني كهروب من فشل تحقيق الشق الدفاعي.
- تظهر الأمانة العامة لمجلس التعاون وكأنها على خصومة مع الشفافية، فقد نشرت على موقعها خبر إشادة الأمين العام بتوقيع وزراء الداخلية على الاتفاقية الأمنية في 13 نوفمبر 2012، لكن الموقع لم ينشرالاتفاقية، ولم يسوقها، ولم يوعِ الخليجيين بمضامينها النبيلة التي قال د. عبداللطيف الزياني إنها تهدف إلى توفير الأمن والحماية لمكتسبات دول مجلس التعاون.
لقد قرأت ما نشر على أنه الاتفاقية الأمنية الخليجية، ووجدت أنها لم تكن شديدة المراوغة في ألفاظها حيال حفظ حقوق الأسر الحاكمة، بل كانت واضحة ومباشرة، ومن جهة أخرى حفظت حق المواطن بإيجاد أفضل السبل لمكافحة الإرهاب والمخدرات والحد من الجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية والاقتصادية، وتطوير عمل وسائل وتدابير الدفاع المدني، لكن ما أخذته الاتفاقية من حيز في مواقع التواصل الاجتماعي بين أهل الخليج، واعتبار أغلبهم لسريتها تكميماً لأفواه الشعوب هو ما يستحق أن يتوقف عنده صانع القرار الأمني الخليجي ليعرف مدى الهوة التى تتسع بينه وبين مواطنيه، ولن يردمها إلا الشفافية وحملة علاقات عامة محترفة توضح ما في ثنايا هذه الاتفاقية والترويج لها، حتى ولو أضطرت لطرحها للاستفتاء.