سرحت بعيداً وأنا أستمع إلى هتافات أطلقها أنصار حزب الحرية والعدالة بجوار قصر الاتحادية وهم يرددون «الشعب يريد تحكيم شرع الله»، هتافات تتردد بين أنصار الأحزاب الإسلاماوية في تونس ومصر، وأسمع صداها على خشخشة الأوراق التي سودتها مقالات المنتمين إلى تلك الأحزاب في الصحافة، وأسمع طقطقتها على مواقع التواصل الاجتماعي تدفعني دفع القوي لضعيف أنهكته المتابعة والركض حثيثاً بين الأخبار والمقالات، ولم تعد قدماه قادرتين على الوثب بين المذاهب والأفكار بعد سنوات طويلة خطت آثارها على الضمير والوجدان؛ الشعب يريد تطبيق شرع الله.. أي شريعة؟ وأي إسلام؟
أي شريعة؛ أشريعة الخميني حين قاد إلى المشانق أعداءه وحلفاءه ممن تصدوا بصدورهم العارية لبطش الشاه، وأكلت أجسادهم زنازينه من الليبراليين والشيوعيين والسنة والعرب والكرد والبلوش والأذر ممن وعدهم بالتعددية والمساواة ودولة القانون، فحملوه على الأكتاف قبل أن يطيح بهم، وحين استتب له الأمر انفرد بكتابة أكثر دساتير العالم فاشية وإقصاءً، وسرح بعد أقل من عام واحد على الثورة عشرين ألف معلم وثمانية آلاف ضابط، وأفرغ البيوت والقصور من أصحابها، وعمر السجون بحجة منـاوءة الثورة.. كان أيضاَ يظن أنه يطبق شرع الله ويعلي كلمته؟
أي شريعة؛ أشريعة إبراهيم الجعفري وموفق الربيعي وغيرهم ممن أغروا الشعب العراقي بالمن والسلوى ودولة القانون؛ فحولوا المستشفيات والوزارات والبيوت إلى مواقع للتعذيب وحفر رؤوس البشر بالمثاقيب الكهربائية، واخترعوا خطة شيطانية لمناوئي ثورتهم تحت مسمى اجتثاث البعث..
أي شريعة؛ أتكون شريعة السودان الذي يتلاشى وينكمش على الخريطة ويتجاوز مرحلة انتهاك السيادة إلى مرحلة انعدام السيادة بالكامل بعد حكم دام عشرات السنين ابتلعت خلاله السجون خيرة أبنائه والمنافي والغربة البقية الباقية منهم، وها هو رئيس المخابرات يتهم بالقيام بأنشطة معادية ويُقاد إلى حيث قاد هو أبناء شعبه، ولا تكاد تسمع اليوم ذكراً للسودان؛ البلد المرتبط في الذاكرة العربية بالدعة والطيبة، إلا مقروناً بالتعذيب وملاحقة وجلد النساء مرتديات البنطلون تحت ذريعة حماية الشريعة.
أي شريعة هي تلك التي يُنادى بتطبيقها؛ الشريعة الباكستانية أم الأفغانية الطالبانية أم شريعة السيستاني وجيش المهدي أم شريعة السودان أم شريعة المرشد وأي مرشد؟ المصري أم الإيراني؟
أي شريعة؛ الشريعة التونسية التي أعلنت حالة الطوارئ وقتلت ثلاثة من أبنائها السلفيين جوعاً في المعتقلات، الشريعة التي جعلت مدينة صغيرة كمدينة (تالة) تنادي بالاستقلال، وكل شبر في تونس ينادي بدولة في بلد غدا فيه الحليم حيرانَ؟
أي شريعة؛ الشريعة التي جعلت إسلاميي ليبيا يصابون بلوثة نتيجة خسارتهم الرهان الانتخابي فيواجهون أبناء الشعب من مخالفيهم بالسلاح ويقتحمون البرلمان في صورة تعكس أبشع معاني التسلط؟.
أي شريعة؛ الشريعة التي دفعت حماس لهدم مسجد على رؤوس إخوة السلاح والمعاناة والدم لأنها لم تستطع تحمل الخلاف وإدارته؟
أي شريعة؛ الشريعة التي دفعت إخوان الإمارات للتحالف مع الشيطان من أجل النيل من بلادهم وإخوتهم في أكثر دول المنطقة اتزاناً ورصانة ورفاهاً؟
أي شريعة؛ أتلك التي نادى بموجبها المرشد المصري محمد بديع إخوة الميدان إلى التصويت للدكتور محمد مرسي في المرحلة الثانية من الانتخابات، ووعدهم أن الرئيس سيكون رئيساً لكل المصريين، وأن الأساس هو التعددية والديمقراطية ودولة القانون، وأن لا تنازل عن مدنية الدولة. وبعد أشهر فقط أصبح الرئيس يوجه خطاباً حصرياً لأنصاره في المناسبات الدينية، ويصف إخوة الميدان الذين منحوه ثقتهم بالفلول، ويلتف على القضاء ليصفه بقضاء الفلول، وهو القضاء الذي حاكم رموز النظام السابق، وأشرف على الانتخابات التي فاز فيها وامتدحها يومئذ ووصفه بالقضاء النزيه.
الشريعة؛ التي استغلت حالة الفوضى فأطلقت سراح سجناء الجماعات الإسلامية وحزب الله من السجون المصرية، وجلست مع المجلس العسكري وعمر سليمان، ورتبت أمورها مع العسكر، واحتاجت اليوم إلى نائب عام وقضاء يقومان بما تقوم به محاكم الثورة في التاريخ من تنكيل بكل من يخالفها فتقضي على المعارضين ومن لا يتفق معها من الأنصار وتحصن آراء الرئيس من أي طعن؛ كما يحصن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية قراراته، حتى يصبح الخروج عليها كفراً، وتهيء له الأرضية لحكم لا يبدو أنه سينتهي بعد أربع سنوات.
نعم الشعب يريد تطبيق شرع الله.. لكن أي شرع؟