وهكذا كسبت البحرين الجولة النهائية في منازلتها الأخيرة التي خاضتها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. ففي الجلسة المخصصة لمناقشة السجل الحقوقي في البحرين في التاسع عشر من الشهر الحالي استطاع الوفد البحريني الذي ترأسه الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية أن يبلي بلاء حسناً في عرض ما تم تحقيقه من إنجازات في ملف حقوق الإنسان، وبذلك استطاع أن يُقنع المجتمعين في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف أن البحرين جادة في خطواتها الإصلاحية، وأنها قد نفذت كل التعهدات والالتزامات التي قطعتها على نفسها بشأن حماية حقوق الإنسان وصيانتها. وقد قدم الوفد كل الأدلة والبراهين التي تثبت أن البحرين قد عملت ولاتزال تعمل من أجل تكريس هذه الحقوق وأنها لن تتراجع عن المضي قدماً في هذا الطريق حتى النهاية وهي تفعل ذلك انطلاقاً من إيمانها الراسخ بأن هذه الحقوق هي أحد العناوين الرئيسة لنظامها السياسي الذي يرتكز على الحرية والديمقراطية. ونتيجة لذلك بارك المجتمع الدولي خطوات المملكة الإصلاحية وعبر عن ثقته واحترامه للبحرين وإجراءاتها وتعهداتها لحماية وصيانة حقوق الإنسان. وبناء على ذلك تم اعتماد تقرير مملكة البحرين لحقوق الإنسان.
وإذا كان هناك فضل ينسب لأهله في هذا الإنجاز بعد الله، فإنما يرجع إلى القيادة السياسية التي عملت على ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان وتعميقها وجعلتها من ضمن أولوياتها فكانت أحد المحاور الأساسية في استراتيجية الدولة. ومن هنا نقول إن هذا الإنجاز قد أدخل الفرحة والبهجة في نفسها وأثلج صدرها؛ لأنها شعرت بأنها حصدت ثمار ما قامت به خلال الفترة الماضية ولذلك كان جلالة الملك أول المهنئين للوفد البحريني بهذا الإنجاز من خلال اتصاله الهاتفي بوزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان.
وإذا كانت القيادة السياسية، قد عبرت عن ارتياحها للجهود التي بذلها الوفد البحريني في تعريف ممثلي المجتمع الدولي بالإنجازات التي حققتها البحرين في ترسيخ حقوق الإنسان، فإن الارتياح امتد إلى الأوساط الشعبية بمعظم فئاتها وشرائحها الاجتماعية والسياسية فكان خبر اعتماد تقرير البحرين الحقوقي بالنسبة لها انتصاراً؛ ولذلك كانت فرحتها هذه المرة فيها نوع من الإحساس بأن صوت الحق بدأ يعلو ويظهر على السطح، وبأن صوت الباطل أخذ يتراجع ويخفت وكاد أن يختفي من المشهد خصوصاً أن المجتمع الدولي بات متفهماً ومقتنعاً أكثر لوجهة نظر البحرين الرسمية والأهلية ولذلك ليس من المستغرب هذه المرة أن يعطي صوته لممثلي حكومة البحرين.
وإذا كان الوفد الحكومي الرسمي قد بذل جهوداً كبيرة في إقناع الوفود المشاركة في جلسات مجلس حقوق الإنسان بإنجازات البحرين في ملف حقوق الإنسان، فإن الوفد الأهلي المرافق له من منظمات المجتمع المدني العاملة في مراقبة حقوق الإنسان كان له حضور مميز. إذ استطاعت هذه المنظمات أن تساهم بإيجابية وبطريقة فعّالة في تفكيك الصورة المشوهة عن الملف الحقوقي في البحرين وهي التي دفعت البعض من ممثلي الدول في مجلس حقوق الإنسان أن يصموا آذانهم عن الأصوات النشاز التي كانت تتعمد طمس الحقائق وإخفاء ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات في مجال حقوق الإنسان وذلك لغايات سياسية يعرفها البحرينيون أكثر من غيرهم. إذ ساهمت هذه المنظمات في تعريف المشاركين في مجلس حقوق الإنسان بالواقع الحقوقي في البحرين بعيداً عن التأثيرات السياسية، وكان لهذه المساهمات أكبر الأثر في تغيير مواقف بعض الدول من البحرين. وخاصة تلك التي تحمل أفكاراً مغلوطة عن حقوق الإنسان في المملكة وهو الأمر الذي أغضب البعض من ممثلي المنظمات الحقوقية المسيسة المحلية والإقليمية والدولية. إذ رأت في هذا التحول خسارة كبيرة لها وأن جهودها التي بذلتها على مر السنين من أجل النيل من الحكومة قد ضاعت. ونتيجة لذلك فقد تملكها إحساس أنها سترجع بخفي حنين هذه المرة، وأنها مهما حاولت إخفاء هذه الحقيقة فإنها لن تستطيع تغطية الشمس بغربال. فالبحرين قد كسبت هذه الجولة ويجب عليها الاعتراف بذلك أمام جمهورها. أما إذا أرادت أن تركب رأسها وتستمر في عنادها لتغطية فشلها، فإننا نقول لها إن الأمور لم تعد كما كانت في السابق وإن اللعب لوحدها في الساحة الحقوقية الدولية أصبح من الماضي إذ من الآن وصاعداً سيكون للناشطين في حقوق الإنسان الذين يرصدون الواقع من دون زيادة أو نقصان حضوراً قوياً في الساحة الدولية لأنهم أخذوا على أنفسهم عهداً لمنازلتكم أينما تكونوا، سلاحهم في ذلك الأدلة والبراهين التي تدحض افتراءاتكم وليس سلاح الكذب والتزوير والتدليس الذي تعتمدون عليه في مرافعاتكم.
أخيراً؛ بقي أن نقول كلمة نهمس بها في آذان بعض الكتاب الذين ظلوا يدندنون حول ملف حقوق الإنسان ويستخدمونه ورقة للضغط على الحكومة ماذا تقولون الآن بعد أن صوت مجلس حقوق الإنسان لصالح الحكومة بعد اقتناعه بأن سجلها الحقوقي بات ناصعاً؟