ليست نهاية العالم، وليس زلزال مروع ولا إعصار مدمر؛ بل هو إجراء اعتيادي عندما يُطلب رفع حصانة الشيخ جاسم السعيدي، فلا أحد فوق القانون وليس لدينا خطوط ملونة ولا مزركشة، وليس هناك أشعة حمراء ولا فوق البنفسجية، فالجميع أمام القانون سواسية، من منطلق قول الرسول صلى الله عليه وسلم “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، وعلى جماهير الفاتح أن تصبر وتحتسب بقول الله تعالى “فاصبر صبراً جميلاً”، خصوصاً عندما تكون جماهير الفاتح هي جماهير معروفة ومشهورة برقيها وأخلاقها واحترامها لمؤسسات الدولة وتقف مع شرعيتها، وأول الوقوف مع شرعيتها احترام إجراءاتها وقراراتها، وهذا الاحترام ليس تسليماً ولا ضعفاً إنما استسلام الأبطال لقائدهم واحترام الكرام لكبارهم.
يا جماهير الفاتح.. لسنا غوغائيين ولا مختلي العقول ولا مرضى النفوس، بل لدينا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نسير على هديهما ونقتدي بما جاء فيهما، وها هو نبي الله يوسف يسجن ثم يولى على خزائن الأرض، وها هو رسول الله يهاجر من مدينته لأجل دعوته، وكثير من القصص والأمثال التي يدفع فيها البشر ضريبة مواقفهم ومبادئهم، لكن يجب أن نلتزم الهدوء من أجل سلامة الأمة، ومن أجل أن نحكم الحلقات على المفسدين في الأرض وأعداء البلاد والعباد كي لا يأخذوها فرجة ولا حجة ولا شماتة.
إن الشيخ السعيدي بشر حاله كحال أي بشر؛ فليس على رأسه ريشة ولا تحوطه هالات قدسية ولا أشعة فوق البنفسجية، ولا نعتقد أن الشيخ السعيدي سيضيره رفع حصانته ولا محاكمته ما دام مؤمناً بسلامة موقفه، وحتى إن تمت إدانته فهو في الأول والآخر مواطن، وإن الثبات على المبدأ ومواجهة الظروف مهما كانت قاسية عنوان الشجاعة والمروءة وسمو النفس، وأن التحشيد والتهويل ونشر الفوضى وإثارة المجتمع وشغله عن مصالحه ومصالح أمته دليل ضعف النفس ونقصان الثقة وانعدام المروءة والأخلاق، وحاشى الشيخ السعيدي وجماهير الفاتح من هذه الصفات.
إن أي رجل دين أو سياسي يرى نفسه فوق البشر وفوق القانون فلديه اختلال نفسي وعقلي ويحتاج لمراجعة طبيب نفساني ليكشف له عن الهرمون الذي سبب هذا الاختلال حتى تخيل نفسه ملكاً من السماء، إذ إن العقل السليم لا يؤمن بالمعصومية والقدسية للبشر، لذلك نعتقد أن الشيخ السعيدي معافى والحمد لله من هذا الاختلال والارتجاج المخيخي، في الوقت الذي نرى هذا الوباء آخذٌ بالانتشار بنسبة كبيرة، وسكوت الدولة عن المختلين ساعد على تمكن الوباء، وما طلب رفع الحصانة عن الشيخ السعيدي إلا أحد إشارات السكوت التي لا تستطيع الدولة تجاوزها إلا بتقديم رجل دين من جماهير الفاتح لعلها تستطيع أن تبرر إقدامها على محاكمة أحد من أتباع الولي الفقيه.
ويبقى هناك أمر يجب توضيحه؛ وهي جريمة قتل متعمدة أفتى بها عيسى قاسم علانية وموثقة، والتي كانت نتيجتها العدوان الإرهابي المكثف باستخدام القنابل والمتفجرات مما أدى إلى إصابات خطيرة في صفوف رجال الأمن ، كما إن المحرض الآخر علي سلمان وغيره من لابسي العمامة هم مشاركون في نشر الفساد في الأرض والتحريض على القتل ويعدون شركاء في جميع الجرائم التي ارتكبت بحق رجال الأمن والممتلكات، ومسؤولين عن الخسائر الاقتصادية التي تسببت بها أعمال الإرهاب التي أفتى بمشروعيتها علي سلمان وعيسى قاسم وغيرهما من خطباء ورجال دين المجلس العلمائي، لذلك على الدولة أن تقدمهم للمحاكمة، فالجميع أمام القانون سواسية ولا يستثنى صاحب العمامة السوداء أو الخضراء أو البيضاء.
ولا بد أن نذّكر أن الشيخ السعيدي لم يختبئ وراء عباءته؛ بل ظهر بكل علانية وجرأة، ولم يتنصل ولم يبرر ولم ينكر بل يعتز ويفتخر بكل خطبة أعلنها وبكل مقابلة أجراها حين احتسب أجره عند الله لا لأجل مقابل أو مغانم أو ابتزاز، كما إنه لا يعمل لأطراف خارجية ولم يتخابر مع عدو وليس لديه أطماع في سلطة ولا كرسي حكم، ولم يجتمع بدبلوماسي أمريكي أو بريطاني أو إيراني، كما إن حسابه البنكي مكشوف ومعروف، ولم تتلوث يده بقتل مواطن أو مقيم، ولم يشارك في التحريض على فساد أو سفك دماء بريء، وجريمته الوحيدة أنه قال كلمة حق.