مع الإطلالة الأولى للعام الهجري 1434نفذ العدو الصهيوني عدوانه على قطاع غزة، وهو امتداد لسلسلة الاعتداءات التي استمرت منذ احتلال فلسطين العربية، ويحدث هذا العدوان في ظل تداعيات الربيع العربي الأصفر، وفي ظل تداعي الوضع العربي الرسمي، ومن وحي تأكد بني صهيون أن الأنظمة العربية لن ولم تفعل شيئاً ضد الحراك الصهيوني السياسي والعسكري والأمني في فلسطين، وذلك بعد أن تخلت هذه الأنظمة عن القضية الفلسطينية بدءًا من الموافقة على قرار مجلس الأمن رقم (242) لعام 1967، والتصفيق لخارطة الطريق التي عملت على تصفية القضية الفلسطينية، ومنع الشعب الفلسطيني من القيام بالأعمال العسكرية لتحرير بلاده من خلال الأراضي العربية، وصولاً إلى تضافر الحلف الأمريكي الغربي العربي لإجهاض كل محاولات النهوض القومي السياسي والاقتصادي والعسكري والبشري والعلمي. وبذلك تحول الصراع العربي الصهيوني من صراع وجود إلى صراع على الحدود.
ولم تكن موافقة العدو الصهيوني على إقامة سلطة فلسطينية في قطاع غزة وبعضاً من أراضي الضفة الغربية إلا لأجل تشتيت القضية الفلسطينية وتأجيج الصراع بين منظماتها وفصائلها استعداداً لتصفيتها مستقبلاً، وهي تعي أن هذا الغرس سيحصد ثمراً يانعاً في المستقبل، خصوصاً أن الأنظمة العربية قد حلت نفسها من القضية الفلسطينية وأصبحت غير معنية بتوفير مستلزمات الدفاع القومي عن فلسطين، واستبدلت بالتعاون مع السلطة الفلسطينية الحاكمة الكفاح المسلح بالمفاوضات العقيمة، وبتخصيص بعض الأموال لبناء مجموعة من الإنشاءات المدنية بديلاً عن توفير الأسلحة لتحرير فلسطين، وبذلك تم استبدال خارطة تحرير الأرض من العدو الصهيوني بخارطة طريق الاستسلام له والاعتراف به وبالعمل سوياً للحفاظ على أمنه، وسارت هذه الأنظمة مع السلطة الفلسطينية وتحت الرعاية الأمريكية والصهيونية على كذبة وأوهام التسوية والسلام (العادل)، ونتج عن ذلك قضم الكثير من الأراضي الفلسطينية لبناء المزيد من المستوطنات الصهيونية، وتردت حالة أقطارنا العربية التي عاشت في حالة من التشرذم القطري والطائفي.
في ظل هذا التدهور السياسي العربي المتصاعد يتجدد ويتصاعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهو امتداد لعدوان نهاية عام 2008 وأوائل عام 2009، فماذا فعل العرب تجاه هذا العدوان المستمر؟ فمع بداية هذا العدوان بدأت فيالق الرد الإعلامي المتمثل بجحافل المسيرات والتظاهرات، وأمطرت سُحب الشجب والتنديد ببيانات التضامن والألم على قتلى وجرحى العدوان، وصولاً إلى جمع التبرعات المادية والصحية؛ وهو رد خجول مستتر يُمثل ضعف إيمان العرب بالقضية الفلسطينية وبعدم رغبة الأنظمة العربية في رد الحق إلى أهله. وتأتي التهدئة التي يتم تسويقها عربياً وإقليمياً ودولياً وسيلة لتغطية العدوان الصهيوني على قطاع غزة. فلماذا التهدئة؟ وهل هي الجواب الشافي على هذا العدوان المستمر؟
إن كل عدوان صهيوني يأتي معه التهدئة، تهدئة مَن؟ ولمصلحة مَن؟ ولماذا التهدئة؟ لماذا لا يكون هناك رد عربي وفلسطيني حازم وحقيقي لسلسلة هذه الاعتداءات الصهيونية المتواصلة؟ إن التهدئة ستكسب العدو الصهيوني الوقت لجعل الفلسطينيين هم المعتدون، والتهدئة تعني إضافة الشرعية للقوة العسكرية الصهيونية أن تفعل ما تشاء بالشعب الفلسطيني، وهي أولاً وأخيراً لمصلحة العدو الصهيوني وضياعاً لما تبقى من الأرض الفلسطينية ولدماء الفلسطينيين.
إن المفاوضات والتهدئة لن تسهما في قيام دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين، ولن تكتسب هذه الدولة بالتهدئة والمفاوضات الاعتراف الدولي الحقيقي بها ولا بعضوية الأمم المتحدة، وعلى العرب أن يدركوا بأن فلسطين هي قضية عربية أولاً وفلسطينية ثانياً، لكون فلسطين جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، ولابد من استبدال التحالف الاستراتيجي العربي - الأمريكي والغربي بالتحالف العربي القومي، وهو التحالف الذي ستسترجع به فلسطين أراضيها شيئاً فشيئاً، وبتحرير فلسطين تتحقق النهضة العربية ويكتسب الشعب العربي حريته ويُحقق نهضته.