يعتقد كثيرون أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على إيران كفيلة بثنيها عن مواصلة برنامجها النووي، ولاشك أنهم مخطئون؛ ذلك أن هذه العقوبات كانت برداً وسلاماً على النظام الإيراني لأسباب عدة، لأن إيران وعبر سنوات حكم رجال الدين ادخرت مليارات الدولارات تحت شعار «القرش الأبيض لليوم الأسود»، وذلك من مداخيلها المتنوعة من النفط والصناعات الأخرى والمواد الغذائية والتحويلات التي تصلها من أنصارها في كل أنحاء العالم.
فالعقوبات الاقتصادية أهون بكثير من تدمير مفاعلاتها النووية المقامة فوق الأرض وتحتها، وما ينجم عن التدمير من آثار سلبية على إيران بأكملها وتضرر مدنها وشعبها ومنشآتها النفطية وقراها والخسائر المادية الهائلة واستمرار آثارها السلبية على كل الأراضي الإيرانية والزراعة بها، وما قد يتعرض له شعبها من أمراض جراء الإشعاعات النووية، خصوصاً إذا كانت إيران قد حققت تقدماً في تخصيبها لموادها النووية، وكما تتوارد الأنباء عن قربها لإنتاج أول قنبلة نووية، حسب ما يصرح به خبراء الذرة في أوروبا والولايات المتحدة، إذاً فالتغلب على العقوبات الاقتصادية أهون بكثير من ضرب المنشآت النووية.
هذا من جانب؛ وعلى الجانب الآخر فإسرائيل التي هددت أكثر من مرة بضرب المنشآت النووية في إيران، مثل ما فعلت لمثل هذه المنشآت في العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، وما فعلته بمثل هذه المنشآت في سوريا، وما فعلته مؤخراً في شهر أكتوبر المنصرم في مصانع الأسلحة في السودان، لا تستطيع أن تقدم على مثل تلك الخطوات في إيران لسببين؛ أولهما أنها لا تستطيع أن تتجاوز الولايات المتحدة بالقيام على مثل هذه الخطوة دون أخذ موافقتها لتوفر لها الغطاء العسكري اللازم لحمايتها من أي هجوم إيراني، من ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة لن تعطي إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بمثل هذه العملية وهي في السنة الانتخابية، حيث لم يبق إلا أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية فيها، فلا الرئيس الحالي باراك أوباما الذي يطمع في رئاسة ثانية يرغب في ذلك، ولا منافسه الجمهوري رومني فيما لو نجح براغب في أن يبدأ عهده بالاشتراك في حرب مع إيران وبلاده لم يجف بعد دم الضحايا في حرب بلاده مع العراق وأفغانستان، وحربه المتواصلة منذ الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 مع القاعدة في أفغانستان وباكستان وفي بقاع أخرى من العالم، ذلك أن الشعب الأمريكي قد يئس من هذه الحروب المتواصلة بفقد الكثير من أبنائه وثرواته بسبب هذه الحروب.
من ناحية أخرى، فإن البعد الجغرافي بين إسرائيل وإيران بحاجة إلى فتح الحدود للطيران الإسرائيلي للذهاب والعودة بسلام، فالدول العربية التي تشكل حاجزاً في وجه الطيران الإسرائيلي لن تقبل بضرب إيران وشعبها المسلم رغم ما تفعله حكومته من اعتداءات ومشاكل لهذه البلدان بشكل متواصل، وما تقوم من تحريض للفئات المتطرفة والموالية لها، وأكبر مثل على ذلك ما يقوم به أنصارها في البحرين والسعودية والكويت من إثارة للشغب والاعتداءات وعمليات الحرق وسد الشوارع وسكب الزيوت على الشوارع لتعريض المواطنين والمؤسسات التجارية والاقتصادية للتخريب.
وعليه فإن كل قرار بفرض عقوبات اقتصادية على إيران يدخل البهجة والسرور في قلوب قادة إيران، لأن ذلك يعطي علماءها فسحة أكبر للوصول إلى مبتغاهم في صنع أول قنبلة ذرية إيرانية، كما أفاد أحد العسكريين الأمريكان أن بإمكان إيران إنتاج أول قنبلة ذرية في غضون عشرة أشهر فقط، وهذا ما يسعد إيران عند فرض عقوبات اقتصادية جديدة لأن ذلك يعطيها مزيداً من الوقت لتحقيق هدفها وإطالة مخالبها النووية.
إذاً كل العقوبات الاقتصادية الغربية وغيرها لن تثني إيران عن هدفها في امتلاك السلاح النووي فالغرب في معركة خاسرة.