تناقلت وكالات الأنباء العالمية ما بثته وكالة «فارس» الإيرانية من إعلان إيران عن «تأسيس قيادة عسكرية جديدة للحرس الثوري في منطقة بندر لنجة، التي تضم جزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة على الخليج العربي». ورافق ذلك تحذير شديد اللهجة وجهه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء حسن فيروز آبادي، إلى دولة قطر مما أسماه «تعريض أمن إيران للخطر»
ومن جانب آخر شدد القائد العام لقوات «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري على «ضرورة تعزيز قدرات إيران الدفاعية في الخليج، مضيفاً خلال مراسم تدشين القاعدة البحرية الخامسة «قاعدة الإمام محمد الباقر» في ميناء لنجة، أن تدشين هذه القاعدة يأتي ضمن استراتيجية إيران لتعزيز قدراتها العسكرية في الجزر الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى» والمياه الإقليمية في الخليج، مؤكداً على أن وجود مقر أركان للقوة البحرية بشكل مستقل في ميناء لنجة يأتي ضمن استراتيجية إيران لضمان أمن الخليج والجزر الثلاث، مشيراًً إلى أن استقرار الأمن في المياه المجاورة لمضيق هرمز والجزر الثلاث تقع ضمن مهام مقر قيادة الأركان في ميناء لنجة، حيث إن قوات المشاة البحرية ستستقر في هذه المنطقة بكل استعداداتها وجهوزيتها».
جاءت هذه الاستعدادات والتصريحات مترافقة مع «مناورات صاروخية استمرت ثلاثة أيام نفذها سلاح البحرية الإيراني في منطقة رودان بمحافظة هرمزكان جنوب إيران على شواطئ الخليج العربي».
كان يمكن النظر إلى تلك المناورات الإيرانية وما رافقها من تصريحات على أنها حق تمارسه أية دولة على أراضيها، فليس هناك من له الحق في حجب ما تبيحه القوانين العالمية، بما فيها تلك الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والتشريعية التابعة لها. لكن الوضع يختلف تماماً هنا لعلاقته المباشرة بمسألتين جيوسياسيتين؛ الأُولى أن بعض هذه المناورات أو ما يتبعها يمس أراضي دولة صديقة مجاورة لإيران وهي الجزر الإماراتية الثلاث، والثانية أنها تأتي في ظروف تشهد فيها المنطقة العربية، ومن ضمنها الخليجية، توترات حدودية من شأن مثل تلك المناورات أن تؤججها، وتسكب الزيت على نيرانها. كل هذا يستدعي من إيران مراجعة مثل هذا السلوك السياسي لكونه يقود في نهاية المطاف إلى تصعيد الخلافات بينها وبين جاراتها العربية المطلة على الشواطئ الغربية من الخليج العربي، يسبقنا إلى ذلك الطلب سؤال استراتيجي في غاية الأهمية هو؛ ما الذي ستستفيده طهران في هذه المرحلة من إقدامها على تلك المناورات، وفي الوقت ذاته إعلانها الرسمي عنها؟
ربما يكون الهدف الأول هو توجيه رسالة للدول الغربية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، تقول بأن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي فيما لو حسم الصراع في سوريا في غير صالح حلفائها، وبعيداً عن مراعاة مصالحها القائمة هناك، ومن ثم فبين يديها أوراق أخرى، ليست داخل الساحة السورية فحسب، بإمكانها أن تستفيد منها في فتح جبهة أخرى تستنزف فيها طاقات وجهود تلك الدول، خاصة وأن تلك الأوراق ملقاة على طاولة منطقة حيوية على الصعيدين الاستراتيجي السياسي والاقتصادي النفطي، بدرجة لا تستطيع الدول الغربية المساومة عليها.
يترافق ذلك مع هدف آخر، أو رسالة موازية، تريد أن توصلها طهران إلى العواصم الخليجية، وهذا ما تفسره إشارة آبادي ذات اللهجة التحذيرية إلى دولة خليجية صغيرة هي قطر، تقول فيها أن يكفوا أيديهم عن ساحات أخرى مثل سوريا والعراق إن هم أرادوا حماية ديارهم المتاخمة لإيران، وأن هذه الأخيرة في وسعها توسيع نطاق الصراع كي ينتقل من تلك الساحات البعيدة عن الحدود الجغرافية للدول العربية الخليجية إلى تلك المتاخمة لها.
أما الهدف الثالث فهو ذو بعد داخلي، تريده من خلال استعراض العضلات التي نتحدث عنها، والغرض منه تطمين المواطن الإيراني أن حكومته لاتزال تمسك بين يديها بعض الأوراق القوية التي بوسعها، متى ما استخدمتها، أن تقلب الطاولة على الحلف الذي تحاول الولايات المتحدة أن تقيمه ضدها في سعيها لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. وتضيف طهران إلى قائمة عناصر القوة التي بين يديها، كما تراها هي، الجانب العسكري، الذي تود إقناع المواطن الإيراني أنها لن تتردد في استخدامه متى ما دعت الحاجة له.
في خضم سعيها لتحقيق تلك الأهداف يغيب عن أذهان الدوائر الحاكمة في طهران ثلاث مسائل رئيسة هي..
أنه مثلما بين يدي إيران أوراق قوية بوسعها استعمالها عند الحاجة، كذلك تمتلك العواصم الخليجية هي الأخرى أوراقاً قوية في إمكانها، متى ما استعملتها أن توجه ضربة موجعة لطهران. ربما تكون الجزر الإماراتية هي الخاصرة الخليجية الرخوة التي يمكن أن تنفذ منها إيران، التي هي بدورها لديها خاصرة رخوة أخرى هي الوجود العربي في الساحل الغربي من إيران، والذي لديه الكثير من المبررات التي تدفعه إلى مد جسور التعاون مع أية قوة ترغب في تقديم الدعم له كي ينهض ويشكل عامل إقلاق للأوضاع الداخلية الإيرانية.
الورقة الثانية القوية التي بين يدي الدول الخليجية هي تركيا، والتي تبحث عن موطئ قدم في هذه المنطقة، ويحكم علاقاتها مع طهران الكثير من عناصر التحدي والمنافسة، وهي الأخرى، وربما بطرق مختلفة، لن تترد في بناء جبهة منافسة على الحدود التركية الإيرانية، من شأنها متى ما تشكلت، وبدعم خليجي، أن تساهم في إقلاق طهران واستنزاف طاقاتها، إن لم تكن العسكرية، فربما السياسية.
الورقة الثالثة القوية في يد الدول الخليجية هي ذات بعد اقتصادي؛ وهو النفط، ففي وسع تلك الدول وعندما تستدعي الضرورة ذلك أن تساهم في فرض حصار اقتصادي على طهران يتمثل في فرض مقاطعة على النفط الإيراني في الأسواق الرئيسة لهذه السلعة الاستراتيجية من خلال زيادة إنتاجها ولو لفترة قصيرة محدودة، تؤدي إلى تعويض النقص الناجم عن تلك المقاطعة. محصلة ذلك زيادة الأزمة الاقتصادية الداخلية الإيرانية.
على أن كل تلك السيناريوهات ستكون وبالاً على طرفي الصراع العربي - الإيراني، وسيكون الخاسر الأكبر هي دول المنطقة، والرابح الأكبر هي القوى الأجنبية، وهو ما تدعي إيران أنها تناضل ضده. ومن ثم فمن الأفضل أن يضع الجميع سلاحهم، ويستمعوا إلى مصالح شعوبهم، ويرجعوا إلى الأولويات التي تقتضي من الجميع التقيد بمبادئ احترام السيادة الوطنية، والعمل على تحسين شروط حسن الجوار والمتاخمة.
وأول الخطوات على هذه الطريق هي عودة الحق لأصحابه، والمقصود بها هنا الجزر العربية الثلاث. فمتى ما استمر الاحتلال الإيراني لها، ستبقى جذوة الخلافات مشتعلة، تؤججها المصالح الطارئة كالتي أشرنا لها، وتفسح بالتالي المجال أمام تدخل القوى الخارجية.
ربما آن الأوان كي تعيد طهران حساباتها القائمة على المصالح الجماعية المشتركة ذات الأبعاد الخليجية الرحبة، البعيدة عن أية أنانية قطرية ضيقة الأفق.