بعد أن أنهى المبعوث العربي الدولي كوفي أنان مباحثاته مع الحكومة السورية بشأن الأزمة السورية توجه إلى العاصمة الإيرانية طهران لعقد لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين بشأن الأزمة السورية، ووفقاً لتصريح أنان أن الرئيس السوري قد أكد له التزامه بتطبيق خطة النقاط الست وبتنفيذها، فإذن لماذا توجه أنان إلى طهران؟ وما هي علاقة طهران بالأزمة السورية وبمؤتمر جنيف؟ ألا يعني أن دعم طهران للنظام السوري يجعله شريكاً في العدوان على الشعب السوري؟ أم أن مظلومية الشعب السوري تختلف عن مظلوميات الشعوب الأخرى؟ أم أن هناك رغبة دولية وإقليمية بجعل سوريا ساحة لنزاع دولي، وعاصمة لتسوية المصالح، والمحاصصة السياسية على حساب دم وأرواح الشعب السوري؟ إن التدخل الإيراني في القضايا العربية لم يأت من فراغ، فالضعف السياسي العربي وعدم وجود إستراتيجية عربية مُحكمة للتعاون العربي ولحل المشاكل العربية، وفشل الجهود العربية في حل هذه المشاكل أوجد ثغرات، استطاعت منها إيران أن تدخل بقوة إلى عُمق الصراع العربي الداخلي، والتصرف في البيت العربي وكأنه بيتها، وأخذ هذا التدخل الإيراني طابعاً سياسياً في سوريا بينما تدخلها في الشأن البحريني أخذ طابعاً طائفياً، والاثنين يخدمون الأجندة الإيرانية ومصالحها بعيداً عن أي مصلحة للدولتين السورية والبحرينية ولشعبيهما. ورغم الرفض العربي الرسمي والشعبي لهذا التدخل إلا أن الدولة الإيرانية تكشف علانية مواجهتها -في خطاباتها الإعلامية والسياسية- الاستفزازية وبسلوكها المذهبي الطائفي، ولا تقوم بتفويت أي فرصة سانحة بالتدخل في الشأن العربي بشكل عام. لذا فإن من بنود السياسة الإيرانية وإستراتيجية عملها، هو تحاشي التعامل مع الأقطار العربية ككتلة واحدة، وتصر على التعامل مع كل دولة على حدة تطبيقاً لسياسة “فرق تسد”. بجانب أنها تقوم بإدارة معسكرات الرفض والمعارضة في الأقطار العربية التي تعتبرها كطوق نجاة في مواجهة الأخطار الخارجية. الدولة الإيرانية لا تهمها مصلحة سوريا ولا شعبها وما يهمها فقط هو مصلحتها حيث أن سوريا تمثل الطريق الذي يربط مصالحها في المنطقة، لذا فمن الصعب فك الارتباط السوري ـ الإيراني الوثيق، ويقفان الآن في جبهة واحدة ضد الجبهة العربية الضعيفة. وبالمقابل فإن واشنطن لا تفوت هذه الفرصة بالعمل على تأجيج الخلافات بين بعض الأقطار العربية وإيران حيث تعمل على حل المشاكل الأمريكية الإيرانية في عواصم تلك الأقطار وعلى حساب مصالحها الوطنية، حيث إن هناك قواسم مشتركة تجمع واشنطن وطهران حول الوضع العربي وتأزيمه. ومن الغباء جداً التصديق بأن الدولة الإيرانية ليس لها أي صلة بما يحدث في الأقطار العربية من تداعيات وانشقاقات سياسية، فالسياسة الخارجية الإيرانية بدلاً من العمل على تحسين الأجواء الإقليمية وتجسيد التعاون الإقليمي والتخلي عن ذريعة “ الدفاع عن المستضعفين في الأرض “ أصبحت مصدراً من مصادر الصدامات التي ساهمت في زيادة حالة من الشد والجذب بين الصراع مع بعض الأقطار العربية والتعاون مع بعضها. إن توجه أنان إلى طهران هو التأكيد على الهوية الإيرانية الحقيقية في علاقتها الإقليمية مع الأقطار العربية، فإيران التي توظف “الورقة الشيعية” في الأحداث الجارية في بعض الأقطار العربية الخليجية وسعيها الدؤوب إلى تكوين ما يُسمى بـ “الهلال الشيعي” في المنطقة العربية. واليوم فإن الدولة الإيرانية تحاول الحفاظ على موقع دمشق الذي من خلاله تمكنت إيران من الوصول إلى لبنان والتدخل في شؤونه السياسية الداخلية. وهذا ما يُعرض الأمن العربي إلى التخلخل وعدم الاستقرار، الذي يؤثر على ضبط التفاعلات الداخلية والأمن الإقليمي. إن المشاكل والأزمات التي تعيشها المنطقة العربية يجب أن تعالج من داخل المنطقة وبعيداً عن سياسة التدخلات غير المشروعة وسياسة الهيمنة المبطنة بالإملاءات الخارجية، فإذا كانت هناك صراعات وخلافات بين واشنطن وطهران فيجب العمل على حلها هناك وليس في عواصمنا العربية، ويجب أن يعي قادة الأقطار العربية أن التشرذم والتباعد واستنفار المصالح الفردية المنعزلة على حساب المصالح العربية القومية يُسهل كثيراً من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية، وأن وحدتنا وتآزرنا هو كفيل بإبعاد هذه التدخلات عن التراب العربي. فتوجه أنان إلى طهران لا يخدم قضايانا العربية بل يُشجع تلك التدخلات أكثر وأكثر.