نسترسل هنا في سرد القرائن التي تشير إلى بدء العد العكسي لمعاقبة طهران؛ فبعد يوم واحد من تلك المشادة بين الوفدين الإسرائيلي والإيراني في الوكالة الدولية للطاقة، تناقلت وسائل الإعلام ما أفصح عنه مسؤولان أمريكيان عن قرار واشنطن «رفع اسم جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة من قائمة المنظمات الإرهابية لتمنح نصراً سياسياً للجماعة التي تعهدت في السابق بنبذ العنف»، ملمحين إلى أن «وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اتخذت القرار برفع الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية وأنها من المتوقع أن تعلن الأمر رسمياً خلال أيام».
وهناك علاقة مباشرة بين «منظمة مجاهدي خلق» والمشاريع النووية الإيرانية، فقد سبق للمنظمة أن «كشفت لأول مرة في أغسطس من عام 2002 عن معلومات هامة تتعلق ببرنامج إيران النووي، عندما قالت إن الجمهورية الإسلامية لم تكشف عن منشأة كبيرة لتخصيب اليورانيوم في ناتانز، إضافة إلى منشأة للماء الثقيل في أراك، وتبين بعد ذلك صحة هذه المعلومات، وأبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأمر المنشأتين».
وتشكل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية كتلة كبيرة من ائتلاف إيراني معارض واسع يعرف باسم «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» يعمل بمثابة «البرلمان الإيراني في المنفى ويضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضواً بارزاً وشهيراً من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط إضافة إلى قادة (جيش التحرير الوطني الإيراني) الذراع المسلح لمنظمة مجاهدي خلق». ومن ثم فمن غير المستبعد، في نطاق التحضير لمثل تلك الضربة، إضافة النكهة الإيرانية لها بالزج بمنظمة مجاهدي في صفوف الجهات المنخرطة في تنفيذ تلك الضربة.
أما على مستوى التحركات العسكرية التي شملت بعض دول مجلس التعاون؛ فهناك مناورات «العلم الأحمر 5» بقاعدة «نلس» الجوية بولاية نيفادا الأمريكية التي انطلقت في مطلع العام 2012 واستمرت لمدة 10 أيام بمشاركة القوات الجوية السعودية والأمريكية. لم تتردد الرياض في الكشف عن تلك المناورات المشتركة التي اعتبرتها «إضافة حقيقية نحو التدرب على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال العمليات الجوية القتالية الذي تحرص كل دولة على المشاركة فيه لأنه يحاكي العمليات الجوية المشتركة والمختلطة ويطبق فيه أساليب متقدمة باستخدام جميع التخصصات المساندة لتحقيق التفوق، والسيطرة الجوية والحرب الإلكترونية للحد من تأثير القوي المعادية، والتوقع والتنبؤ بمتطلبات الإمداد الذي يعزز من خفة الحركة بطريقة تحقق الأهداف وتقلل التكاليف بإسناد أطقم فنية ذات كفاءة عالية تعمل على تجهيز الطائرات وعمل صيانة دورية لضمان أعلى درجات السلامة». وربطت بعض الدوائر حينها بين تلك المناورات المشتركة والمخططات الأمريكية الموجهة نحو إيران، خصوصاً وأن اختيار تضاريس وجغرافية مسرح عملياتها في نيفادا جاء مقارباً لتلك المنطقة المقام عليها بعض المنشآت النووية الإيرانية المستهدفة.
إضافة إلى كل ذلك؛ هناك ما تناقلته مواقع الإنترنت مؤخراً عن صحيفة «صنداي تلغراف» يوم 16 سبتمبر 2012 عن حشود تقوم بها «أساطيل من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية في الخليج العربي للتعاطي مع تداعيات احتمال قيام إسرائيل بضربة استباقية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية..، وأن السفن الحربية وحاملات الطائرات وكاسحات الألغام والغواصات من 25 دولة بدأت تجتمع معاً في مضيق هرمز ضمن استعراض عسكري غير مسبوق في ظل اقتراب المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى شفا حرب، ... وتتضمن التدريبات كيفية اختراق أي عملية إغلاق في المضيق، بالإضافة إلى مواجهة الألغام، أما القوات البريطانية فتتألف من كاسحات ألغام وزوارق تنقل المواد اللوجستية إضافة إلى المدمرة دياموند». ونوهت الصحيفة إلى «أن العديد من المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرجحون قيام إسرائيل بشن ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر المقبل».
وحيث إنه لا يمكن فصل ما يجري على الساحة السورية عن الاحتمالات المتوقعة فوق الساحة الإيرانية، فمن المهم هنا الإشارة إلى إعلان الجيش السوري الحر قبل يومين «نقل قيادته المركزية من تركيا إلى المناطق المحررة داخل سوريا والبدء بالتخطيط لمعركة تحرير دمشق في خطوة (اعتبرتها بعض المصادر) بمثابة التخلص من الضغوط الدولية والإقليمية والحصار المادي والإعلامي للانحراف بالثورة عن أهدافها». الملفت للنظر هنا ما جاء على لسان قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد في شريط فيديو بث على الإنترنت قال فيه مخاطباً الشعب السوري «نزف لكم خبر دخول قيادة الجيش الحر إلى المناطق المحررة بعد أن نجحت الترتيبات في تأمين المناطق المحررة لبدء خطة تحرير دمشق قريباً» دون أن ينفي «الضغوطات التي تعرضت لها مجموعته، التي أكد أنها لا تريد أن تكون بديلاً للنظام». ويوحي توقيت هذا الانتقال إلى تلك الضغوط التي لن تكون بعيدة عن السلطات التركية من جهة وإلى اقتراب ساعة حسم الوضع في سوريا من جهة أخرى. كلا الاحتمالين له علاقة بشكل أو بآخر على أية ترتيبات للعامل الإيراني في معادلة الشرق الأوسط الجديدة التي تعمل واشنطن على حلها بمشروع يحمي مصالحها أولاً، ويقلص عناصر الخطر التي تهدد تلك المصالح ثانياً وليس أخيراً.
وفي نطاق الشأن السوري وعلاقته باحتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية، لا بد من التوقف عند النتائج التي آلت لها اجتماعات اللجنة الرباعية لحل الأزمة السورية التي تشكلت بمبادرة مصرية أثناء انعقاد مؤتمر قمة عدم الانحياز الثلاثين والتي تضم في عضويتها إلى جانب إيران مصر وتركيا والسعودية. فإلى جانب تغيب الوفد السعودي عن المشاركة لم يصدر عن وزراء خارجية الدول الأعضاء الأخرى ما يمكن أن يشتم منه رائحة نجاح لأعمالها. وكان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أكثر صراحة من نظرائه الآخرين حين ألمح إلى «صعوبة الموقف»، ودعا إلى «خفض سقف التوقعات»، ونوه إلى تعثر الخطوات بالقول «حالياً نتوقع حلاً سريعاً من خلال اجتماع هذا أمر غير واقعي». ويبدو أن الحل الإيراني لتلك الأزمة هو الذي يقف وراء تعثر خطواتها الأمر الذي يستدعي وضع حد له.
ينتهي بنا المطاف في رصد التحركات غير الإيرانية التي تشير إلى علاقتها باحتمال تلقي طهران ضربة عسكرية، بذلك الاجتماع الذي، كما نشره موقع «إيلاف» يوم الأحد 23 سبتمبر 2012 بين «وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري الفريق أول عبدالفتاح السيسي وقائد القيادة المركزية الأمريكية الفريق أول جيمس ماتيس والوفد المرافق له الذي يزور مصر حالياً. وتناول اللقاء تطورات الأوضاع في المنطقة والمتغيرات خلال المرحلة الراهنة، بالإضافة إلى مناقشة عدد من الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك في ضوء التعاون والعلاقات العسكرية المتميزة التي تربط الدولتين، ثم التقى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق صدقي صبحي بالفريق أول ماتيس واستعرض الجانبان عدداً من الموضوعات المرتبطة بالتعاون والتدريبات المشتركة». يصعب عزل تلك «الموضوعات» التي نوقشت عن الترتيبات المتوقعة في نطاق احتمال توجيه ضربة مباغتة لإيران.