من يتابع تطور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وردود الفعل الدولية التي رافقتها، يلمس تصاعد أصوات طبول الحرب المنذرة باحتمال تلقي إيران ضربة سريعة، ربما لا تكون موجعة بالدرجة التي يتوقعها البعض، لكنها ستكون كافية كي تستلم طهران الرسالة التي تحذرها من الاستمرار في سياساتها الخارجية، التي ترى فيها تلك الدوائر الدولية تجاوزاً لحدود الأعراف الدبلوماسية التي يحق لإيران أن تمارس تلك السياسة في نطاقها، وفوق ذلك إشعار طهران أيضاً بضرورة إعادة النظر في برنامجها النووي الذي أصبحت تلك الأطراف ترى فيه أحد عوامل تعثر خطوات مشروعاتها الشرق أوسطية، بما فيها تلك التي لا تمت بصلة إلى قضايا التسلح النووي.
يدفع ذلك المتابع لتطور الأوضاع في الشرق الأوسط نحو توقع احتمال هذه الضربة الخاطفة لإيران في وقت قريب نسبياً، مجموعة من التصريحات التي أدلى بها العديد من مسؤولين غربيين وإسرائليين وحتى إيرانيين أيضاً، تناولوا الوضع الإيراني بشيء من التفصيل، خصوصاً فيما يتعلق بجوانبه النووية، سوية مع عدد من التحليلات التي نشرتها صحف ذات علاقة قريبة بدوائر صنع القرار في العواصم الغربية، جميعها عكست تصاعد نبرة الحوار مع إيران في هذه المرحلة.
ففي يوم الإثنين الموافق 10 سبتمبر 2012 تناقلت العديد من وكالات الأنباء ما جاء في مقال للكاتب الأمريكي بيل كيلر نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، قال فيه «إن إيران ماضية في برنامجها النووي الذي تزعم أنه للأغراض السلمية، بل إن طهران ما فتئت تشحن الأسلحة وترسلها إلى من وصفه بنظام الطاغية السوري بشار الأسد، بينما الولايات المتحدة لاتزال تدرس حملات أكبر من الهجمات الإلكترونية على طهران»، ثم استطرد كيلر محذراً من «أنه لا الدبلوماسية ولا المفاوضات ولا العقوبات ولا فيروسات الحاسوب يمكنها أن تثني النظام الإيراني عن المضي قدماً للحصول على السلاح النووي، موضحاً أن كل هذه الإجراءات ربما أفلحت في إبطاء الخطى الإيرانية النووية لبعض الوقت، لكن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب ما فتئ يتزايد بأحجام هائلة» خالصاً إلى نتيجة «إن إيران ستعمد بعد أي هجوم ضدها إلى مواصلة تخصيب اليورانيوم في مناطق عميقة تحت الأرض، وإنه لا يمكن منع إيران من تصنيع السلاح النووي إلا بطريقة واحدة تتمثل في الهجوم على إيران واحتلالها بالكامل».
في يوم الإثنين ذاته، أبرزت دوائر إعلامية معينة ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديث خص به «تلفزيون سي بي سي الكندي»، أكد فيه على «أن حكومته تناقش مع الولايات المتحدة ما سماه الخط الأحمر الذي يجب أن لا يتجاوزه البرنامج النووي الإيراني، مشدداً على أن وضع خط واضح، وهو ما لم يتحدد بعد علناً، يمكن أن يغني عن الحاجة إلى العمل العسكري». الملفت للنظر هنا أن الحكومة الكندية كانت قد قطعت علاقتها الدبلوماسية مع تل أبيب قبل يومين فقط من بث تلك المقابلة.
في الوقت ذاته نشر موقع محطة «الجزيرة» الإلكتروني سوية مع وقائع تلك المقابلة «أقوال مسؤول إسرائيلي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته إن هناك مباحثات مع الإدارة الأمريكية بخصوص الخطوط الحمراء ورفض إعطاء المزيد من التفاصيل».
على نحو مواز نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في اليوم ذاته خبراً مفاده «أن نتنياهو أبلغ وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفليه خلال لقائهما الأحد أنه إذا خصبت إيران اليورانيوم إلى مستوى نقاء أعلى من 20% فذلك سيمثل خطاً أحمر لأنه يثبت أنها اختارت أن تزيد مستوى التخصيب عن المستوى المطلوب للاستخدام المدني لتوليد الطاقة وأنها ستخرج بقنبلة نووية».
بعد ثلاثة أيام من كل ذلك، وتحديداً يوم الخميس الموافق 13 سبتمبر 2012، تناقلت وكالات الأنباء أيضاً خبر انضمام «روسيا والصين إلى أربع قوى غربية في تصعيد الضغط الدبلوماسي على إيران المشتبه في سعيها لامتلاك قدرة على تصنيع قنابل نووية، وذلك بعد يوم من تكثيف إسرائيل تهديداتها بمهاجمة الجمهورية الإسلامية.. واتفقت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بالإضافة إلى روسيا والصين على مشروع قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوبخ إيران بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، مع توضيح رغبتها في إيجاد حل سلمي للنزاع الذي يحمل مخاطر اندلاع حرب جديدة بالشرق الأوسط».
الأمر الجديد هنا أن الموقف المشترك للصين وروسيا يمكن أن يقود إلى مساندة القوى الأربع الأخرى نحو التصعيد، ومن ثم يمهد الطريق التي تضمن موافقة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة، بعد أن انتقلت روسيا وبكين من مواقع كبح جماح الدوائر الغربية إلى خطوط التوبيخ لإيران، مما يعكس تحولاً تصعيدياً لا يستهان به في موقفهما من الملف النووي الإيراني، ربما يتجاوز جدران اجتماعات الوكالة كي يصل إلى دوائر سياسية ذات علاقة بالموضوع من غير المستبعد أن تكون الأمريكية في مقدمتها وتل أبيب من بينها.
بعد ذلك بحوالي أسبوع، وتحديداً يوم الأحد الموافق 16 سبتمبر 2012، أطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محذراً مرة أخرى «من أن إيران ستكون على شفا امتلاك قدرة تصنيع أسلحة نووية فيما بين ستة وسبعة أشهر»، (ملمحاً إلى) «إنه بمنتصف 2013 ستكون إيران قد قطعت 90% من الطريق صوب امتلاك يورانيوم مخصب بدرجة كافية لتصنيع قنبلة»، (حاثاً واشنطن) «على وضع حدود لطهران بحيث لا تتعداها، وإلا واجهت إجراء عسكرياً».
ولم يكد ينقض يوم واحد على ذلك التصريح حتى هرع راديو إسرائيل إلى بث مقابلة مع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للشؤون النووية والمخابرات دان ميردور دعا فيها الولايات المتحدة «ألا تنتظر حتى تقرر إيران إنتاج سلاح نووي بل يجب عليها أن تفكر قبل ذلك في عمل عسكري»، (متسائلاً) «متى تحين المرحلة التي يجب إيقاف البرنامج النووي الإيراني عندها، هل تحين عندما يتم تركيب القنبلة على مقدمة صاروخ لتكون جاهزة للإطلاق»؟ لكنه يعود بعد ذلك وفي المقابلة ذاتها كي يشيد بإدارة الرئيس الأمريك باراك أوباما التي تشدد «على أنها لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية»، لكنه يعود كي يستدرك فيقول «إنه ينبغي تأكيد مظاهر العزم هذه».
في السياق ذاته من الخطأ القفز فوق تلك المواجهة التي تمت يوم الخميس الموافق 20 سبتمبر 2012 بين إيران وإسرائيل «خلال الجمعية العامة الـ56 للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي جعلت من غير المحتمل عقد مؤتمر حول شرق أوسط منزوع السلاح النووي قبل نهاية العام، بعد أن شددت طهران على أن توقع إسرائيل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية».