تحت عنوان “الولايات المتحدة فقدت ثقة العالم بأكمله” نشرت صحيفة (الجارديان) نتائج استطلاع للرأي يُشير إلى أن “انخفاض التأثير الأمريكي على الساحة الدولية يعود إلى ضعف الثقة بالنوايا والدوافع التي تحرك أمريكا نحو القضايا الدولية”، وتضيف “أن هذه المشاعر السلبية تجاه أمريكا لم تعد تقتصر على منطقة الشرق الأوسط بل اتسعت لتشمل أوروبا ومنطقة جنوب آسيا”.
هذا الرأي الذي جاء في الاستطلاع تأكد لأمريكا صدق مشاعر الآخرين (غير الأمريكيين) تجاه أمريكا وسياسة أمريكا؛ ونقصد هنا سياسة أمريكا تجاه الدول الأخرى وشعوبها، هذه الشعوب التي نالت حظاً وافراً من السياسة الأمريكية التي بنتها على المصالح الأمريكية دون غيرها، فسالت دماء الكثير من الشعوب وجاعت وجفت أراضيها وتوقفت آلاتها الإنتاجية من أجل هذه المصالح، ومن أجلها بدلت حكاماً وقيادات وحمت أنظمة ورعت حكومات من أجل حماية مصالحها واستمرارها، وفي تلك البلدان زرعت أمريكا قواعدها العسكرية ونشرت قواتها المدججة بأحدث الأسلحة الفتاكة من أجل مصالحها ومن أجل أن يعيش الأمريكي في ترف ونعيم وباقي الشعوب في فقرٍ وجحيم أسست الكثير من الشركات والمؤسسات الاقتصادية تحت غطاء العولمة وبذريعة تبادل المصالح التجارية بينها وبين تلك البلدان.
لقد صدقت أمريكا والأمريكيون في قول الحقيقة تجاه هذه العلاقة غير المتكافئة، وهذه المعادلة ذات النتيجة السلبية، ولننظر إلى تاريخ أمريكا الأسود في المنطقة العربية وفي منطقة الشرق الأوسط، فمازالت آثار دماء الضحايا ملطخة بجدران هذه الدول، والكثير من شعوبها يعيش في تخلف وفقرٍ مدقع، ومازالت شعوبها تبحث عن الحرية والديمقراطية وعن حقوقها الإنسانية، هذه الحقوق التي تم تغييبها بفعل السياسة الأمريكية والأنظمة السياسية والعسكرية التي تحميها أمريكا في هذه المناطق بعسكريتها وبشركاتها. وكيف تثق شعوب العالم بنوايا أمريكا؟ كيف تثق الشعوب بأمريكا وهي التي تسرق ثرواتها النفطية وتستبدل حقوقها السياسية بأنظمة لا تتفق مع تطلعاتها وآمالها؟ كيف نؤيد الإدارة التي خلقت الإرهاب في هذا الكون؟ وشوهت أرضنا العربية بعد أن زرعت فيها الدمار والإرهاب والفساد؟ وهي التي تمد العدو الصهيوني بالأسلحة لقتل الفلسطينيين وتقف ضد أي قرار دولي يُندد بسياسته العدوانية تجاه العرب؟
عندما تحدث أية مشكلة بين أمريكا والشعب العربي وغيرهم يخرج الرئيس الأمريكي على الشبكات الإعلامية وكأنه لا يعلم شيئاً ولا يدرك أمراً، ووفقًا للمادة الثانية من الدستور الأمريكي فإن الرئيس الأمريكي يمتلك سلطات واسعة وعديدة في الشؤون الخارجية، فهو الرئيس التنفيذي والقائد العام للقوات المسلحة وكبير المفاوضين والدبلوماسيين، تشاركه في اتخاذ القرار لجنة العلاقات الأمريكية الصهيونية (إيباك) وهي من أكثر المنظمات الصهيونية فعالية في ساحة السياسة الخارجية الأمريكية، بجانب مؤسسة الاستخبارات الأمريكية التي تعمل على توفير المعلومات التي تساعد السلطة التنفيذية على اتخاذ القرارات وتنفيذها. بجانب ما ناله العدو الصهيوني من سياسي أمريكا فكانت تكافئهم بالوصول إلى سدة الرئاسة خاصة بعد أن أصبحت الصهيونية حلقة مركزية مهمة بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية بعد حرب يونيو عام 1967م، وبعد معركة أكتوبر 1973م وقع العدو الصهيوني اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر والتي أدت إلى خروج مصر العربية من منظومة البلدان العربية وإلى تمزيق الصف العربي وتقوية قبضة الصهاينة في المنطقة العربية والشرق أوسطية. وهذا أدى أيضاً إلى التأكيد الدائم والمستمر بالتزام أمريكا (أيديولوجيا) بحماية أمن العدو الصهيوني أولاً وبحصولها على النفط العربي رخيصاً من منطقة الخليج العربي ثانياً.
فبعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة التي بينه وبين أمريكا بقت الثانية هي المهيمنة والمسيطرة على مقدرات العالم وشعوبها، وبعد احتلالها لأفغانستان عام 2001م، وغزوها للعراق في حرب الخليج العربي الثانية عام 1991 واحتلاله في عام 2003 أصبحت أمريكا قوة مفترسة ومُسيطرة على مجريات أحداث العالم السياسية والاقتصادية والأمنية. وعلى الصعيد العربي يُمارس الكونجرس الأمريكي نفوذاً حاسماً في سياسة أمريكا إزاء العرب أكثر من أي مكان آخر في العالم، ويرجع ذلك لعدة اعتبارات من بينها: المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وبخاصة النفط، الصراع العربي - الصهيوني، وتمارس جماعات الضغط السياسي (اللوبي الأمريكي المؤيد للعدو الصهيوني) دوراً ليس مرئياً في صناعة السياسة الخارجية الصهيوني ويحظى برضا اللوبي الذي يرجع جذوره إلى سنوات (1918 - 1939) كل من يتبع قراراته أو على الأقل السكوت عن ممارسات الصهاينة في فلسطين المحتلة.
ونتيجة لهذه السياسة الأمريكية السلبية في الوطن العربي فإن الشعب العربي برمته يمقت هذه السياسة ويُحمل مسؤولي الإدارات الأمريكية السابقة والحالية كل تبعات هذه السياسة من تخلف وفقر ودم عربي، وقد نال الجنود الأمريكيين ومجموعة من المسؤولين حظهم من هذه السياسة قتلاً وجرحاً والذي كان آخرهم وليس أخيرهم السفير الأمريكي في ليبيا وثلاثة من قوات المارنيز. اليوم أمريكا تبكي على ضحاياها في ليبيا مثلما تباكت عليهم في فيتنام ودول أمريكا الجنوبية، وفي الصومال ولبنان وأفغانستان والعراق، بالأمس واليوم وغداً سيستمر البكاء الأمريكي على ضحاياها، وستحصد ما زرعته وتزرعه من بذور في أراضي العالم، فبذرة الشر تكون ثمرتها شراً، أما بذرة الخير فثمرتها خيراً.