بخلاف ما كان يتوقعه البعض، وبعد أن تحملت شركة سامسونغ إلكترونيكس الكورية الجنوبية للهواتف الذكية غرامة تجاوزت المليار دولار بعد صدور الحكم من محكمة سانت خوسيه في كاليفورنيا، استطاعت الشركة أن “تحقق صافي الأرباح بين يوليو وسبتمبر الماضي مضاعفة تقريباً، بلغت 5.97 مليار دولار مقابل 3 مليارات دولار في نفس الفترة من العام السابق، وقفزت إيرادات الشركة في الربع الثالث 26% لتصل إلى حوالي 50 مليار دولار”. ويبدو أن الشركة متفائلة إذ تتوقع أن تساعدها مبيعاتها من “هواتف جالاكسي إس 3 وجالاكسي نوت 2 الذكية في الحفاظ على زخم أرباحها في الربع الأخير من العام الحالي”.
على نحو مواز؛ أعلنت شركة هيونداي موتور الكورية الجنوبية أيضاً، كما نقلت وكالة أنباء رويترز عن “أرباح صافية قدرها 1.97 مليار دولار في الربع الثالث بارتفاع 13%، وبذلك أصبحت الشركة مع شركة كيا موتورز التابعة لها تمثل خامس أكبر منتج للسيارات في العالم. وبلغ صافي الربح في الربع الثالث من العام الماضي حوالي 1.8 مليار في حين حققت هيونداي أرباحاً قدرها 2.2 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي”.
إن كان ذلك يدل على شيء فإنما يدل على الحالة الصحية التي يتمتع بها الاقتصاد الكوري الجنوبي، وهو ما يؤكده أيضاً تقويم مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني التي “رفعت ترتيب كوريا الائتماني بمقدار درجة واحدة يوم 14 سبتمبر الماضي، لتتمكن كوريا بذلك من الحصول على ثقة من المؤسسات التصنيفية الثلاث الرئيسة في العالم في فترة لا تتعدى ثلاثة أسابيع فقط”. وتجدر الإشارة إلى إن ستاندرد آند بورز قد “رفعت تصنيف كوريا من A إلى A+، هو خامس أعلى تصنيف لكوريا، لتتساوى مع شيلي وتقل درجة عن الصين واليابان وتايوان”. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن “مؤسسات فيتش للتصنيفات كانت قد رفعت تصنيف كوريا أيضاً في شهر سبتمبر الماضي إلى AA-، بينما رفعته مؤسسة موديز إنفيستورز سيرفيس إلى Aa3، وهو رابع أعلى درجة تصنيف لدى المؤسستين”.
بقي أن نعرف أن كوريا الجنوبية هي دولة آسيوية صغيرة تأتي في المركز 109 على مستوى العالم من حيث المساحة، وكانت ضحية “للاستعمار الياباني في أوائل القرن العشرين، الذي كان سبباً مباشراً، كما تقول وسائل الإعلام الكورية “في تدني مستوى معيشة الكوريين حتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945”. ولم تنعم كوريا الجنوبية بأي استقرار إثر انتخاب د. لي سونغ مان كأول رئيس لجمهورية كوريا في العام 1948، حيث تعرضت في 25 يونيو 1950، وفي خضم الحرب الباردة لهجوم مباغت “شنته كوريا الشمالية واستمرت تلك الحرب لمدة ثلاث سنوات مما خلف دماراً شاملاً في شبه الجزيرة الكورية، وقد وقعت الكوريتان الجنوبية والشمالية على اتفاقية الهدنة في يوليو عام 1953”. ومنذ ذلك الحين دأبت كوريا الجنوبية على تعزيز اقتصادها والعمل على تنمية مواردها حتى نجحت في انتزاع اعتراف العالم بها كدولة صناعية متقدمة، وأصبحنا نسمع بما يعرف باسم “الموجة الكورية” وصف بأنه “معجزة على نهر هان” تعبيراً عن ذلك التقدم الكوري.
وليس أدل من تلك المتانة التي يتمتع بها الاقتصاد الكوري من قدرة سيول على التعافي المبكر السريع من الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصادات راسخة مثل الاقتصاد الأمريكي والبريطاني منذ العام 1997، والتي هزت من الأعماق اقتصادات آسيوية كبيرة راسخة مثل الياباني. ويعود الفضل في تجاوز تلك الأزمة، كما تقول كوريا عن نفسها “إلى التطبيق الشامل والكامل لاتفاقية كوريا مع صندوق النقد الدولي، والإصلاحات الجذرية التي نفذتها الحكومة الكورية، وأخيراً المفاوضات الناجحة لإعادة جدولة الديون الخارجية مع البنوك الدائنة”.
ومن الخطأ النظر إلى ذلك النجاح على أنه مجرد محاولة للخروج من أزمة عابرة ألمت بالبلاد، فقد ساهمت الاستراتيجية الكورية المرتكزة على “التنمية الاقتصادية الموجهة للخارج” في ذلك التحول النوعي الكبير، حيث شكلت الصادرات “الباعث الرئيسي للنمو”، وساهمت “إلى حد كبير في التحول الكبير الذي طرأ على الاقتصاد الكوري. اعتماداً على استراتيجية كهذه”. وانعكس ذلك إيجابياً على العديد من برامج التنمية منذ العام 1962 وحتى 2008، حيث “زاد إجمالي الناتج المحلي الكوري من 2.3 بليون دولار إلى 928.7 بليون دولار، بينما زاد دخل الفرد من 87 دولاراً إلى حوالي 19.231 دولار أمريكي.
هذا مكن سيؤول أن تصبح في العام 2008 “الدولة رقم 13 من حيث أكبر اقتصاد في العالم، حيث بلغ حجم التجارة الكوري 857 بليون دولار لتحتل المرتبة رقم 11 في العالم . كما تحتل كوريا المرتبة السادسة في العالم من حيث احتياطي النقد الأجنبي، هذا إلى جانب كون كوريا اليوم أكبر دولة في العالم لبناء السفن، إضافة لذلك فهي تحتل المرتبة الأولى فيما يتعلق بإنتاج أشباه الموصلات وشاشات العرض. كما تحتل المرتبة الثانية بالنسبة لإنتاج التلفونات الجوالة، والمرتبة الخامسة بالنسبة لصناعات الحديد والصلب والسيارات”.
وانتبهت الدولة في مرحلة مبكرة إلى أهمية البحث العلمية، وعلى وجه الخصوص في مجال العلوم والتكنولوجيا وتطوير العلاقات الدولية في المجال ذاته، فوجدناها منذ التسعينات من القرن الماضي تركز جهودها في ثلاثة محاور أساسية في هذا الاتجاه هي؛ “تقوية وتطوير البحوث في مجال العلوم الأساسية، ضمان التوزيع والتطبيق الفعّال لأبحاث التنمية، وأخيراً توسيع نطاق التعاون الدولي في هذا المجال”. وكانت سيؤول تهدف إلى، وهو ما حققته، أن تؤدي هذه الجهود إلى زيادة قدرة كوريا التنافسية في مجال التكنولوجيا.
من أجل ذلك كله، وفي سياق مسيرتها نحو تعزيز تنمية التقدم العلمي والتكنولوجي وجدنا كوريا الجنوبية تنشئ “معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا” (KIST) في العام 1966، ووزارة العلوم والتكنولوجيا (MOST) في العام 1967. ولا تقف حدود البحوث والتنمية عند تدشين الوزارات فحسب؛ بل تحظى أيضاً بتخصيص الموازنات الكبيرة. ففي مطلع العام 2008 بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات في الأبحاث والتنمية 33.6 بليون دولار، ويمثل ذلك 3.47% من إجمالي الناتج المحلي. وخلال الثلاثة عقود الماضية شهدت كوريا نمواً اقتصادياً بلغ معدله 8.6% أهلها لاحتلال، كما سبق أن قلنا، أن تصبح الدولة رقم 11 من حيث أكبر دول العالم في المجال التجاري.