أثارت دعوة علي سلمان الأخيرة التي أطلقها في المؤتمر السنوي لجمعية وعد الأسبوع الماضي ردود فعل غاضبة وأسئلة كثيرة في البحرين وعلى المستويين الرسمي والشعبي؛ لأنها ببساطة شديدة تنم عن روح طائفية متلبسة في ثوب الديمقراطية، وهي تتنافى مع مبادئها التي تقوم على التعددية التي تسمح لكل الأطياف والقوى بالمشاركة السياسية دون أفضلية لأي طيف سياسي على طيف سياسي آخر.
لكن ما يريده أمين عام الوفاق هو الديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصة الطائفية؛ وهي فكرة يهدف من ورائها منح جماعة معينة مميزات تخولها بأن تضع «فيتو» على أي قرار سياسي لا ينسجم مع هواها الطائفي، ومثل هذه الفكرة التي نجزم بأنها ليست من بنات أفكاره إنما هي نبتة شيطانية استوردها من دول الجوار وبالتحديد من العراق ولبنان ويريد أن يستنبتها في تربة البحرين الطيبة التي ترفض بطبيعتها مثل هذه النباتات السامة.
وهو حين يطرح هذه الفكرة في هذا الوقت بالذات ويسوقها إنما يريد تحقيق غايات في نفسه ولمريده؛ لعل أبرزها الضغط على الحكومة من أجل الحصول على مكاسب سياسية في حال دخلت الأخيرة معه في حوار أو مفاوضات من أجل البحث عن حلول للمأزق السياسي الذي تسبب هو ومحازيبه في إحداثها.
لكن يبدو أن الحكومة واعية لألاعيبه وحيله السياسية؛ فجاء الرد عليه سريعاً وبصورة مباشرة على لسان أحد أعضائها المفوهين، وهو وزير العدل، الذي فند أفكاره وأفحمه أن مثل هذه الأفكار المستوردة ليس لها سوق في البحرين، وهي بضاعة أثبتت الأيام أنها بضاعة فاسدة، فما يعانيه المجتمع العراقي اليوم من تفجيرات وانفلات أمني وشقاق اجتماعي وفوضى سياسية وتمزق وتراجع في الأداء الحكومي وتدنٍ في مستوى الخدمات هو نتيجة طبيعية لديمقراطية المحاصصة الطائفية التي وضعها «بريمر» بمباركة من إيران ومن بعض القيادات الحزبية العراقية التي جاءت على ظهر الدبابة الأمريكية، وهي التي تتربع الآن على عرش المشهد السياسي العراقي.
هذه التجربة سيئة السمعة يريد «الإسلام السياسي الشيعي» أن يستنسخها في البحرين مستلهماً في ذلك أفكار بعض القيادات الحزبية الطائفية التي يتماهى معها أيدلوجياً، وهي التي أوصلت العراق اليوم إلى أسوء حالاته بشهادة العراقيين أنفسهم والمراقبين والمتابعين للشأن العراقي.
ليعلم أمين عام الوفاق ومن يذهب معه في نفس الاتجاه أن مثل هذه الأفكار، هي التي ساهمت في تشطير المجتمع العراقي ومن قبله المجتمع اللبناني أنها غير مرحب بها في البحرين حكومياً وشعبياً. وإذا كانت الحكومة قد عبرت عن استيائها لهذا الطرح الشوفيني، فإننا على يقين أن معظم الأطياف السياسية ترفض هذه الفكرة ولن تسمح باستنساخها في المجتمع البحريني؛ لأنها لا تنسجم في الواقع مع المشروع الإصلاحي الذي تم التوافق عليه من قبل هذه الأطياف ومن بينها الطيف السياسي الذي أطلق هذه الفكرة لكنه انقلب على هذا المشروع كمحاولة منه للاستفادة من المتغيرات التي جرت في الساحة العربية التي عرفت باسم «الربيع العربي».
كما إن هذه الفكرة لا يمكن أن تلقى قبولاً في الشارع البحريني؛ لأن هذا الشارع على درجة كبيرة من الوعي السياسي والاجتماعي وهو يدرك مدى خطورتها ويستشرف الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب عليها إذا ما تم الأخذ بها، لأنها ستدفع أحد الأطياف السياسية إلى أن يكون هو المتحكم في قرارات الدولة ومصائرها. كما إن هذا الشارع يعي أن مثل هذه الدعوة سوف تجذب المجتمع نحو الانزلاق في مستنقع الطائفية البغيضة بصورة قانونية، وهنا مكمن خطورتها، لذلك فهو يقدر الرد الحكومي عليها سريعاً وحسمها المسألة في وقتها وقبل أن تأخذ طريقها نحو الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية وهي خطوة تستحق عليها الشكر، لكن وفي هذا السياق تبقى مسألة أخرى على الدولة أن تنهض بدورها حيالها وبنفس السرعة وألا تتردد في إجرائها وهي أن تباشر في اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن التجاوزات والمخالفات التي تقوم بها جمعيات الإسلام السياسي الشيعية والمتحالفة معها من الجمعيات الليبرالية اليسارية وذلك من خلال تطبيق القوانين عليها طبقاً لقانون الجمعيات السياسية.
فالأنشطة السياسية التي يمارسها أمين عام الوفاق وبصورة علنية داخل البحرين وخارجها تعد انتهاكاً لهذا القانون، نقول ذلك من باب أن الجمعية التي يديرها تعمل في إطار هذا القانون ومتى خرجت عن هذا الإطار فواجب السلطة التنفيذية أن تتدخل وتضع حداً لهذه التجاوزات، إذ ليس من المقبول أن تستمر مثل هذه التجاوزات وتحت أي مبرر، فالأمور ما عادت خافية على أحد وباتت مكشوفة للجميع فهدف هذه الجمعية ليس الإصلاح السياسي كما تدعي وتزعم وإنما طموحها أكبر من ذلك بكثير وهو الوصول للسلطة حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين، وهذا ما يدعونا إلى القول إن الدعوة إلى الديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصة الطائفية هي دعوة باطلة.