يجمع العالم الحر اليوم على أن الشفافية تقوم على التدفق الحر للمعلومات وهي تتيح للمعنيين بمصالح ما أن يطلعوا مباشرة على العمليات والمؤسسات والمعلومات المرتبطة بهذه المصالح، وتوفر لهم معلومات كافية تساعدهم على فهمها ومراقبتها. وتزيد سهولة الوصول إلى المعلومات درجة الشفافية، ولكي تكون المؤسسات المستجيبة لحاجات الناس ولمشاغلهم منصفة، عليها أن تكون شفافة وأن تعمل وفقاً لسيادة القانون، فإصلاح مؤسسات الدولة وجعلها أكثر كفاءة ومساءلة وشفافية ركن أساس من أركان الحكم الديمقراطي، وتعتمد شفافية الأجهزة الحكومية اعتماداً كبيراً على توفر المعلومات ومدى صحتها، ولذلك يتطلب النقاش النشط حول قضايا السياسات العامة، من هذه الأجهزة توفير مختلف البيانات التي تهم المصلحة العامة والتي تتعلق بمستقبل البلد والسياسات الحكومية.
ونظرا لأن الأجهزة الحكومية في الواقع هي المصدر الرئيس للمعلومات ومستخدم رئيس لها في آن واحد، فمن مصلحة الجميع أن تكون هنالك شفافية حقيقية وواسعة، تتيح دوران المعرفة ووصول المعلومات ومراجعتها ومناقشتها من الجميع حتى يكون هنالك وضوح في السياسات وفي اتخاذ القرارات المناسبة، فالمعلومات المتعلقة بالاقتصاد وبأوضاع السوق مثلاً تشكل عنصراً أساساً لقدرة القطاع الخاص على إجراء حسابات صحيحة.
إن الشفافية في النهاية عنصر رئيس من عناصر المساءلة يترتب عليه جعل جميع المعلومات العامة والتقارير متاحة للفحص والمراجعة والدقيق، كما إن المطلوب في هذا الاتجاه أيضاً احترام تحليل المعلومات من قبل المختصين التكنوقراط لإعطائها المدلول الموضوعي وليس للمزايدة السياسية مثلما يحدث عندنا، فالشفافية تقي من ارتكاب الأخطاء في تقدير الموارد او التصرف في الموارد او في احترام مبدا تكافؤ الفرص، لذلك يجب توجيه كل الجهود لتعزيز الشفافية ومساعدة الأجهزة الحكومية على جعل كل شيء شفافاً وواضحاً، فالإدارة بوجه عامل تتيح فرصة لارتكاب المخالفات من جانب الموظفين والإخلال بشروط العمل في غياب الرقابة، ولذلك فان الشفافية والمساءلة تتيحان مساحة واسعة لحماية المصلحة العامة، وتستطيع وسائل الإعلام إحداث قدر كبير من التأثير في هذا الميدان وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية الديمقراطية، فالشفافية هدفها أن تكون مقدمة للمساءلة والمحاسبة، لذلك فإن المشكلة في الدول الديمقراطية ترتبط بالتأكيد بالقدرة على الحصول على المعلومة، فلا أسرار في المجتمع الديمقراطي إلا ما يتعلق بالأمن القومي والأمن الصناعي والعلمي والمساءلة تشكل، خصوصاً من حيث علاقتها بإدارة الأموال العامة، معياراً من معايير الإدارة العامة السليمة، وتتطلب المساءلة وجود نظام لمراقبة وضبط أداء المسؤولين الحكوميين والمؤسسات الحكومية، خصوصاً من حيث النوعية والكفاءة واستعمال الموارد والسلطة، ولذلك فإصلاح مؤسسات الدولة لكي تصبح أكثر كفاءة ومساءلة وشفافية هو ركن من أركان الحكم الصالح والنظام الديمقراطي.
بالنسبة لتجربة البحرين فمن الواضح أننا ما نزال في بداية الطريق نحو الشفافية بمعناها الواسع والشامل، ومن الواضح أيضاً أن هنالك رغبة رسمية معلنة وحقيقية في تكريس الشفافية والمساءلة، وهنالك شعار كبير مرفوع في هذا المجال؛ إلا أن الممارسة ما تزال في بداياتها، ونتطلع في المستقبل إلى أن يشهد هذا الأمر تطوراً كبيراً لأن الشفافية والمساءلة يحققان مصلحة المجتمع على نحو شامل. كما يجب أن نشير في هذا السياق إلى ضرورة أن يكون صناع القرار في الحكومة والمجتمع المدني على حد سواء عرضة للمساءلة من قبل الجمهور والإعلام، ولكن للأسف فإن الأمر ما يزال يقتصر على فهم الشفافية والمساءلة في اتجاه واحد وهو الاتجاه نحو المؤسسات الحكومية، في حين رأينا في الواقع كيف انتفض بعض من يفترض به أنه يدافع عن الشفافية عندما تم سؤاله عن مصدر تمويل نشاطاته وهو سؤال بسيط وبديهي، ولذلك نرى ضرورة أن تكشف الأحزاب والجمعيات حساباتها ومواردها وأوراقها للناس، وإذا كانت هي التي تطالب بالشفافية فعليها أن تكون أول من يطبق هذه الشفافية على نفسها.
إن الشفافية تعني تحمل المسؤولية ، وإذا ما زرعت الشفافية بين الناس فإن المجتمع يتحرر من الإشاعات ومن الخوف على المستقبل ومن الشكوك والاتهامات العشوائية، ومن مظاهر التذمر والشكوى والشكوك وإطلاق الاتهامات الجزافية، فليكن الفساد موجوداً، ولكن لتكن هنالك قدرة على المحاسبة والمساءلة، ليس هنالك مشكل في ذلك، طالما هنالك قدرة على المساءلة فإن المجتمع يستطيع باستمرار أن يصحح مسيرته وأخطاءه