لم يطرأ على بال المعارضة البحرينية في الداخل والخارج أن تأتي لحظة تؤكد إلغاء المؤتمر الذي أعدته ونظمته ومولته الدولة الإيرانية، هذا المؤتمر الذي علقت عليه المعارضة نجاحاً سيخطفُ الأبصار، إلا أن الرياح سارت بما لا تشتهي أجندة المعارضة، فتم إلغاء المؤتمر لعدم حضور عددٍ كاف من الأشخاص إلى المؤتمر. هذا المؤتمر الذي تم تنظيم انعقاده في مدينة جنيف بسويسرا قد كلف الخزينة الإيرانية أموالاً دفعها بالنيابة أحد عناصرها، كما إنها اختصرت أشخاص المشاركين في أتباعها وسمحت فقط للإعلام الإيراني والإيراني العربي بالحضور إلى المؤتمر وتوثيقه، فقد حضرت القنوات الإيرانية (برس تي في) إلى جانب قناتي العالم والمنار والقناة السورية العربية ومجموعة من القنوات العراقية الإيرانية.
وقد تزامن إلغاء هذا المؤتمر بفشل تنظيم ندوة على مستوى المعارضة الخليجية في جنيف تحت عنوان «حقوق الإنسان في الخليج» التي لم يحضرها سوى تسعة أشخاص، وتم حصر الحضور الإعلامي لتغطية أشغال المؤتمر فقط القنوات التلفزيونية الإيرانية والإيرانية العربية ومنع باقي المراسلين من الحضور حتى أنه تم طرد مراسل قناة العربية الأستاذ محمد العرب من قاعة المؤتمر، ويعتبر طرده ممارسة لا تتفق مع مبادئ حقوق الإنسان وفي دولة تتميز بالعمل على تطبيق هذه المبادئ، كما إن طرده كان خوفاً من انكشاف حقيقة وأهداف عقد هذا المؤتمر وما سيتم تداوله. وهذا المؤتمر الحقوقي الخليجي قد خلا من أي وفد حقوقي بحريني وخليجي وحضرته مجموعة من القوى السياسية التي تعمل تحت المظلة الإيرانية وظاهرياً تعمل تحت مظلة مركز القاهرة لحقوق الإنسان الذي يديره شخص أمريكي وآخر عراقي ذو هوية إيرانية.
كان من الأجدر بالمعارضة أن تعمل على عقد مؤتمرها الحقوقي في بلادها، فقوانين مملكة البحرين لا تمنع مثل عقد هذه المؤتمرات، بل أنها تساندها معنوياً وتدعم عقدها مادياً، وتوفر كل إمكانيات نجاحها، لو كانت الجمعيات السياسية تسعى إلى الحقيقة والعمل بالشفافية لنظمت مؤتمرها في البحرين وبحضور شعبها، إلا أن رؤيتها في إحداث التحول الديمقراطي تأتي عن طريق مخالفة لتلك الشفافية، ورغم أن التعددية السياسية والفكرية يكفلها الدستور البحريني ويحترمها، فإن المعارضة البحرينية الآن تعمل في هذا الإطار ولكن بأهداف تختلف عن التوجه الوطني للإصلاح السياسي، فالرأي والرأي الآخر مكفول في البحرين إلا أن المعارضة البحرينية تريد أن تكرس رأيها وترفض الرأي الآخر، فرؤيتها للديمقراطية أيضاً تختلف عن رؤية مشروع الإصلاح السياسي، والمثير في الأمر أن الجمعيات السياسية أخذت من المشروع الإصلاحي ما يتفق مع أجندتها وتركت الباقي وكأنه لا يعنيها.
المعارضة السياسية هي الجماعة التي لا تتفق مع السلطة الحاكمة في مجموعة من الأمور لا أن تعمل ضد الدولة وتحت مظلة أجنبية يكون هدفها تدمير البلاد، المعارضة السياسية هي انعكاس فكري عن رؤية الأمة، وتعبر عن نبض الأمة وعن همومها وتعمل على تحقيق آمال وتطلعات الشعب، وهي المنبع الذي يغترف منه الناس الوعي، الجمعيات السياسية هي التي تقف مع حرية المواطن وكرامته، وتحترم الحريات العامة والفردية، وأن تكون لها استقلاليتها الداخلية بعيداً عن الارتباطات الخارجية، أن تتسم الجمعيات السياسية بالتسامح وبالتعبير السلمي عن آرائها في مجمل الأحداث، وأن ترفض الطائفية بكل صورها ومستوياتها، وأن تنبذ العنف.
وهذا يعني.. على الجمعيات السياسية أن ترجع إلى الوطن إلى حضن وطنها، أن تعمل على وقف النزيف وتقوم بتضميد جراح تداعيات الأحداث، وأن تعيد وصل ما انقطع. الرجوع إلى الوطن من أجل سلامة الوطن أولاً وسلامة شعبه ثانياً وسلامتهم من ابتعدوا عن الوطن ثالثاً، فلا وطن مُنتجاً بدون استقرار، ولا وطن مُزدهراً بدون أمن، ولا أمن بدون سلامة مواطنيه.
الرجوع إلى الوطن يعني السير في الطريق الصحيح وهو القرار الصائب الذي يجب أن يتخذه من أن ارتضى أن يكون تابعاً لغير وطنه، فلا شيء أثمن من الوطن ولا أجمل منه؛ اسألوا مَن فقدوا أوطانهم عن قيمة الوطن، اسألوا مَن تشردوا في المخيمات والملاجئ عن عزة الوطن. فماذا يستفيد المُبتعدين عن وطنهم؟ تلك الدول التي أبعدتهم عن وطنهم لا تعمل من أجلهم، بل هي تعمل فقط على استدراجهم على مسلك أجندتها، غير آبهة بمصالحهم ولا بمصالح وطنهم، تلك الدول تستخدمهم كطعم لتحقيق أجندتها الهدامة. نقول وسنقول دائماً الرجوع إلى الوطن أفضل، فخير الخطائين التائبون، والبحرين وقيادتها ستكون عوناً لأولئك الخطائين، وحفظ الله البحرين وقيادتها وشعبها من كل سوء.. آمين.