شأنها شأن أية ظاهرة اجتماعية أخرى، تحتضن شبكات الاتصال الاجتماعي، ونشمل بالمعالجة الإنترنت بطبيعة الحال، الجميل والقبيح وكذلك المفيد والسيئ. لكنها تختلف عن تلك الظواهر الأخرى في تأثيراتها، لكونها تتمتع، منفردة، بمجموعة من الخصائص المجتمعة فيها بشكل متكامل، يمكن إيجاز الأهم من بينها في النقاط التالية:
1- الكونية، وكونية الشبكات الاجتماعية شمولية، بمعنى أنها ليست محصورة في منطقة معينة، كما هو الحال في الظاهرة الاستعمارية، التي حتى أعتى دولها، لم تستطع أن تسيطر على العالم كله، بل كانت محدودة في نطاق جغرافي معين، في الدول الضعيفة المستعمرة “بفتح الراء”. فالشبكات الاجتماعية متوافرة، وإن كانت ليست بالمستوى التقني المتقدم، والخدمات المتطورة المتعارف عليها، حتى في أفقر الدول الأفريقية أو الآسيوية. أكثرمن ذلك، باتت تلك الشبكات تتجاوز حواجز اللغة، التي كانت حاجزاً يحول دون كونية بعض الظواهر، مثل التعليم، التي كانت تنحو نحو الكونية، حيث تساهم الترجمة الفورية، وخاصة بين اللغات الغربية، رغم أنها ماتزال في مراحل الجنينية، إلى حد ما، في كسر حاجز اللغة.
2- سرعة تناميها وانتشارها، على المستويين الأفقي على الصعيد العالمي، والعمودي في النطاق الجغرافي الواحد. فعلى المستوى العالمي، تشير الإحصاءات إلى أن موقع “فيسبوك” لوحده، يأتي في الترتيب الثالث عالمياً، بعد الصين والهند، من حيث تعداد السكان، حيث يربو عدد مستخدمي الفيسبوك على 5 ملايين شخص، ويلجه ما يقرب من 277.000 مستخدم في كل دقيقة تمر على العالم، مقابلها يتم خلق 320 حساباً مغرداً جديداً “Twitter”، و100 حساب آخر على شبكة لنكدن “Linkeden” في كل دقيقة تمر على الكون، الذي يشهد تحميل 30 ساعة فيديو على موقع يوتيوب، خلال الفترة القصيرة ذاتها. وبحلول عام 2015 سيتضاعف عدد الأجهزة التي تستخدم “الحوسبة السحابية” “Cloud Computing”.
3- اللازمنية، إذ تتجاوز شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل ملموس، حدود الزمن التي باتت، بمقياس أداء وفعاية تلك الشبكات ضيقة، فهي جاهزة وتوفر خدماتها لكل من يريدها، في الوقت الذي يختاره هو، وفي اللحظة التي يجد نفسه في حاجة للاستفادة منها، بغض النظر عن ساعة الاستخدام، فلا تحتاج شبكات التواصل الاجتماعي، إلى تحديد موعد للاستخدام، ولا تتطلب من المنتمي لها أن يكون حاضراً جسدياً وراء حاسبه، فباستطاعته تحديد ساعة التواصل، سواء عند بث رسالته أو تلقيها من طرف آخر. ففي وسع المستخدم، من الجانبين: الإرسال والتلقي تحديد لحظة التفاعل مع المعلومة، أو حتى خلقها.
4- التنوع، وتنوع مكونات الشبكات الاجتماعية غاية في التعددية، لدرجة يصعب حصرها، فهناك التنوع في المحتوى، الذي يبدأ عند المعلومات الساكنة، مثل البيانات العامة التي لا تحتاج إلى أي تغيير إلا فيما ندر، إلى تلك الديناميكية التي تتطلب التغيير على مدار الساعة وبوتيرة في غاية السرعة، مثل جداول حركة وسائل المواصلات، إلى تلك التفاعلية التي تبيح لطرفي الاستخدام التخاطب الآني، إذا بدت الحاجة لذلك. الآمر ذاته يتكرر عند الحديث عن الهيئة “Format” التي تتوافر فيها تلك المواد، فهي الأخرى متنوعة، وتشمل تلك المعلومات النصية، وتتدرج كي تحتوي السمعية البصرية، ثم ترقى كي تصل إلى تلك التي تستخدم تقنيات العالم التخيلي “Virtual Reality”. التنوعية ذاتها نجدها أيضاً عند تصنيف سكان مجتمع شبكات التواصل الاجتماعي، فليس هناك تفريق، في حق الاستخدام، يقوم على المستوى الطبقي، أو الفئة العمرية، أو النوع الاجتماعي “الجندر”، ولا حتى الانتماء السكاني فهي مفتوحة أمام سكان العالم كافة، أو الالتزام الأيدلوجي، فهي مباحة للمسلم، كما المسيحي، كما الملحد، على قدم المساواة.
5- كسر الاحتكار التجاري، حيث بات المستخدم ذاته، وليس المزود بالخدمة، هو الذي يولد المعلومة، ويوفر الخدمة. فكل مكونات “فيسبوك” أو “تويتر”، هي من صنع سكان مواقع تلك الشبكات ذاتهم، الذين بات بوسعهم الإبداع في ابتكار تلك المعلومة أو الخدمات انطلاقاً من شعورهم بالحاجة لها، دون انتظار تلمسها من شركة معينة تحدد أطر ذلك الاستخدام، وأكثر من ذلك كلفته، التي ربما تكون باهضة في بعض الحالات. الجميل في ذلك، هو التكامل الذي بتنا نشهده بين أولئك المبدعين غير التجاريين، الذين أصبح كل واحد منهم يتولى تطوير ما بدأه مستخدم آخر، مما جعل، كما يقول المثل الأوروبي، حدودنا هي السماء في علوها “The Sky is the Limit”، بمعنى ليس هناك من حدود للإبداع والتطوير.
تلك كانت محاسن شبكات التواصل الاجتماعي التي ننعم بها، لكنها لا تخلو من بعض العيوب، بل والعيوب المضرة أيضاً، والتي يمكن أن نلخص الأهم منها في النقاط التالية:
1- عدم دقة الإحصاءات التي ذكرنا بعضها، وهو عيب بنيوي لا تستطيع تلك الشبكات، حتى اليوم، وبكل ما تحت تصرفها من تقنيات أن تتخلص منه. فالكثير من الإحصاءات التي تبثها تلك الشبكات مبنية على معلومات تقدم بها المستخدم، الذي، ولأسباب كثيرة، لا يبوح بالحقيقة، بل ربما يلجأ، أو يضطر إلى إخفائها، سواء على مستوى الاسم الخاص به، فهو قادر على انتحال الاسم الذي يختاره هو لنفسه، وكذلك الفئة العمرية، والنوع الاجتماعي، والمستوى الطبقي، بل وحتى البلد الذي ينتمي له ويحمل جنسيته. الحديث هنا لا يشمل المواقع الإلكترونية، التي تدقق في تلك الأمور لأسباب أمنية، البعض منها تجاري محض، وإنما يقف عند حدود شبكات التواصل الاجتماعي التي نتحدث عنها، وهي الأكثر انتشاراً على “الويب”.
2- التلوث المعلوماتي، فنسبة لا يستهان بها من تلك المعلومات والاستخدامات هي في غاية التلوث، وبحاجة ماسة إلى من يتولى التدقيق فيها قبل نشرها قبل فوات الأوان. ولعل في الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية، خلال السنتين الماضيتين الكثير من الأدلة التي تؤكد نسبة التلوث العالية التي عانت منها شبكات التواصل الاجتماعية في هذه المنطقة، والتي لا نتوقع أن تكون حالة استثنائية. هذا التلوث، أصبح خانقاً، ومضراً بمستخدمي تلك الشبكات، ممن لا يمتلكون القدرة على ذلك، جراء اشتراكهم في مجتمع معين، على تحاشي التعرض لها، أو الوقوع فريسة في فخاخها. كنا في السابق نسمع عن “الضوضاء” في المعلومات، لكننا اليوم نتحدث عن “التلوث” في المعلومة ذاتها.
3- الإدمان وهدر الوقت فيما هو مضر أيضاً. إذ لا يقتصر الأمر على إدمان، وخاصة الفئة العمرية الشابة، على تلك الشبكات، بل إنه إدمان على ما هو مضر، ومن ثم يكون الضرر مضاعفاً. فمن جهة هناك هدر الوقت بصرف الساعات الطوال على تلك المواقع، إلى درجة تصل إلى عزل المستخدم عن محيطه الاجتماعي التقليدي، بعد أن يستعيض عنه بذلك التخيلي، والأسوأ من ذلك، هو أن ما تجري مناقشته، لا يعدو كونه ثرثرة غير مفيدة حول موضوعات تافهة.