لا أحد يستطيع الإنكار اليوم أن المجالس الأهلية التي تعد رافداً من روافد ثقافة المجتمع ومقياساً لاتجاهات الرأي العام وأفكاره قد أخذت تلعب دوراً كبيراً ليس في تثقيف روادها ومدهم بفكرة عن أهم القضايا الطافية على السطح في الوطن فحسب، بل أصبحت قوى مؤثرة بالمجتمع تلعب دوراً كبيراً وبارزاً في تحريك المياه الراكدة في القضايا التي قد تكون مغيبة عند الرأي العام وتمثل مؤشراً يعكس ما يشغل الرأي العام البحريني من هموم وأفكار وتطلعات، حيث أضحت كمثل المنتديات المفتوحة التي تجد فيها مختلف المواضيع والقضايا والآراء سواء الهامة أو غير الهامة، أيضاً إلى جانب المقترحات المثمرة والمفيدة التي تخدم عملية تطوير المجتمع وتنميته. والأهم من هذا كله أنها أصبحت مثل المدرسة التي يخرج منها ناشطون مجتمعيون يملكون منها شهادة القدرة على إدارة الحوار والتحدث والإقناع.
وكما إننا بتنا في زمن لم يعد فيه أحد منا يستطيع الاستغناء عن أدوات التواصل الاجتماعي كـ “البلاكبيري” أو “التويتر” لمعرفة أهم المستجدات والأخبار الحاصلة على الساحة، بل وأهم الموضوعات التي يتم تداولها حتى وإن جاءت على شكل طرفة أو سخرية. فالبعيد عن استخدام مثل هذه الأدوات أصبح اليوم كمثل “الأطرش في الزفة” قد يجد نفسه ضائعاً وهو يستمع لأصحابه وهم يتحدثون عما يرد عبر هذه الأدوات من مواضيع وقضايا وحتى الطرف والنكات، كذلك هذه المجالس أصبحت باباً مفتوحاً لكل من يود أن يفهم ما الذي يتداوله الناس خلال هذه الفترة، وإلى أين تتجه آراؤهم وتطلعاتهم، بل وحتى تحركاتهم بخصوص الموضوعات المجتمعية والوطنية التي تأتي في المراتب العشر الأولى من قائمة قضايا الوطن والمجتمع وتحتل الصدارة في أحاديثهم، وأصبح كل من يتخلف عنها ضائعاً ومتأخراً عن الموكب الاجتماعي الوطني.
إن ثقافة هذه المجالس التي إما أن تكون يومية أو أسبوعية أو حتى شهرية والتي تم توارثها من الآباء والأجداد وبعضها يحمل اسم العائلة أو “الفريج” ومعروفة منذ سنين طويلة قد تمتد إلى أكثر من 40 سنة ولاتزال مستمرة، قد تبدل شيء ما فيها لمن يتابعها ويفد عليها باستمرار. فقد أصبح بعض أفرادها ينظمون الندوات النقاشية أو يستضيفون الشخصيات البارزة من داخل وخارج البحرين فيها ولم يعد الموضوع يقتصر على مسألة زيارة معارفهم وأصحابهم لها لمجالستهم وتجاذب الأحاديث العادية الروتينية، بل إن ثقافة تنظيم الفعاليات التي تخدم المجتمع أصبح “برستيجاً” ضرورياً وهاماً لكل من يود أن يكون مجلسه متميزاً وقاطباً لكل فئات المجتمع، ومشهوراً، ويدخل في حساب إحدى القوى المؤثرة في الرأي العام، بحيث يتم الرجوع إليهم في المناسبات الوطنية الهامة كالانتخابات وما شابه، ويوضع لهم حساب واعتبار في أي مناسبة هامة تقام على مستوى المنطقة.
لقد تطور دور المجالس الأهلية والشعبية حتى أصبحت تؤسس لناشطين بارزين لديهم خلفية معلوماتية كبيرة عما يدور في الساحة وبإمكانهم التحدث بمهارة وبجرأة وبأسلوب حواري مميز بسبب “البروفات الحوارية” التي اكتسبوها وهم يحضرونها، وقد تبدو تجربة جمعية مجلس العائلات البحرينية إحدى التجارب المميزة. ولكن كنا نتمنى لو نجد من بينها إحدى القياديات النسائية التي تنظم وتتابع أنشطة المجالس النسائية، وتنسق على تنظميها، ولكن، للأسف الشديد وكما لاحظنا خلال شهر رمضان الحالي، كانت مغيبة على الساحة، وقد ذكر معظم صاحبتها أنه بسبب ظروفهن المختلفة اضطررن لعدم فتحها فيما الجزء القليل منها الذي استمر كان يقام في المساجد ويقتصر على الجلسات الدينية المعنية بالذكر.
إن وجود المجالس النسائية، كون المرأة نصف المجتمع، مهم جداً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لزيادة اللحمة الوطنية بين أفراد المجتمع، على اختلاف أطيافهم وتنوعاتهم الفكرية والطائفية، وجعل الترابط المجتمعي لتأسيس مشروع العائلة البحرينية الواحدة الممتدة على مختلف مناطق ومحافظات المملكة، ولإكمال الجزء المتبقى من هذا المشروع المجتمعي، بحيث تكون هذه المجالس قوى فاعلة هامة بالمجتمع تؤثر على حركة الشارع العام وتساهم في تثقيف أفراده وإكسابه فنون الحوار، وخلفية هائلة عن أهم الموضوعات الوطنية والسياسية. كما أنبه إلى أهمية أن تكون هناك مجالس نسائية مختلطة أي يستضاف فيها عدد من الشخصيات الرجالية البارزة والمثقفة التي بلاشك تساهم في إثراء الحديث وزيادة جرعة الثقافة والمعرفة، بدلاً من أن تأخذ هذه المجالس صبغة واحدة، فهلا وجدنا على الساحة ناشطات نسائيات يتبنين مشروع مجلس العائلة البحرينية الواحدة النسائية والرجالية بدلاً من أن تكون رجالية فقط؟