في الكلمة التي وجهها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء إلى المنتدى الحضري العالمي أكد بأن “السير في الطريق الصعب لبلوغ التنمية المستدامة أقل كلفة مادياً وبشرياً من السير في نفق الصراعات المُظلم بما تحمله في نهايته من دمار ونتائج كارثية على حياة الشعوب”. كلمات قليلة لكنها تحمل الكثير من المعاني والأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية العميقة، معاني تسمو مع سمو وقيمة الإنسان الإنسانية، وتتناغم مع أهداف وجوده في الحياة، حيث إن الهدف الأساس من وجود الإنسان على هذه الأرض هو التعمير وليس الهدم، والبناء وليس الردم، والعمل على الاستفادة المثلى من جميع ثروات الأرض ومواردها الطبيعية ليعيش الإنسان وجميع مَن في الكون في نعيم ورخاء. والرسالة التي وجهها صاحب السمو رئيس الوزراء إلى هذا المنتدى الذي انعقد بتاريخ 3 سبتمبر 2012 بمدينة نابولي بإيطاليا تحت شعار “مستقبل المدن” والذي يعد أحد الفعاليات العالمية والمهمة في مجال التنمية الحضرية المستمدة - هذه الرسالة تؤكد أولاً اهتمام مملكة البحرين والمشاركة في جميع الأنشطة والفعاليات الدولية والإقليمية وبحضورها، وثانياً اهتمام سموه الكريم بالإنسان البحريني وبتنمية بلاده وتطويرها ولتتحقق جميع تطلعات وآمال المواطن البحريني ويعيش حياة سعيدة اجتماعياً ومنعمة اقتصادياً. والتنمية بأشكالها وألوانها لا تتحقق بالنظريات والأقوال، بل بالعمل والأفعال، ويمكن أن نذكر بعض الأوجه التي تتحقق فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق التطوير والبناء -ومنها المجتمع البحريني- ومن هذه الأوجه:
- تحقيق التنمية وهدفها الأساس هو الإنسان، فالإنسان هو أساس التنمية وغايتها، لكونه اليد والعقل العاملين لتحقيق مضامين التنمية في نفس الوقت هو المستفيد من نتائجها ومكاسبها والمتضرر من خسائرها، فمن نتاج هذه التنمية ينعم الإنسان بحياته، حيث تلبي له كافة احتياجاته ومطالبه الحياتية من مأكل وملبس ومأوى وتقنيات تيسر له الحياة على هذه الأرض. والدول الساعية في طريق التنمية يكون هدفها الأول هو مواطنها الذي يعتبر جزءاً أساساً من هذه التنمية.
- تخصيص الموارد المادية من أجل تحقيق التنمية المستمرة، لتحقيق تنمية حقيقية تحتاج إلى موارد مالية كثيرة، والتنمية لا تعني فقط الزراعة والصناعة والنقل وغيرها من الأنشطة الإنتاجية، بل إنها تتضمن أيضاً مجموعة من الخدمات الإنسانية والمجتمعية التي يحتاجها الإنسان كحاجته إلى الطعام واللباس والمأوى، ومنها خدمات التعليم والصحة والبنى التحتية. وهذه تحتاج إلى أموال كثيرة يجب على الدولة والحكومة أن تنفق عليها بسخاء، لأن الاستثمار فيها يعود بفوائد عظيمة على الإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة، والإنفاق عليها يجب أن يكون بأكثر كثيراً من الإنفاق على مجالات أخرى، وخاصة في مجالات التسلح بصناعة الأسلحة وشرائها. فالتعليم الجيد والصحة والتوظيف يساهم كثيراً في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهو استثمار أقل كلفة من أي استثمار آخر.
- توفير مقومات الحياة، الحياة تتطلب الكثير من الجهد والتضحيات والالتزام، ومن الصعب اليوم تحقيق معدل للتنمية يتوافق مع معدل زيادة عدد السكان الذي يتصاعد مؤشره بسرعة، بينما يكون تصاعد مؤشر التنمية بطيئاً. لذا على حكومات الدول أن تسعى جاهدة لتوفير مقومات الحياة الأساسية وسبل العيش الكريم ليس فقط للمواطنين المتواجدين بل أيضاً للآتين يومياً إلى الحياة، فهؤلاء سيطلبون الغذاء والتعليم والعلاج والوظائف والمساكن مستقبلاً. فمن مسؤولية التنمية ومسؤوليها العمل على الاستعداد لأن ينال كل مواطن وإنسان حقه في الحياة على وطنه بعيداً عن أي تأثيرات سياسية أو دينية أو عرقية، لكون التنمية فعلاً إنسانياً يشمل الإنسانية جمعاء وبدون استثناء.
- تكريس الشراكة التكاملية بين دول العالم، التنمية الاقتصادية اليوم ليست تنمية وطنية تخص بلد دون آخر، بل هي عملية تكاملية بين جميع الدول والبشر، فالعالم اليوم يعيش تحديات اقتصادية كبيرة، ولا تستطيع أي دولة في العالم أن تواجه هذه التحديات أو جزء منها بمفردها، كما إنه لا توجد دولة في العالم تملك الإمكانات المادية والطبيعية والبشرية لإنتاج ما تبتغيه من السلع والخدمات، فهذه الموارد موزعة طبيعياً بين دول العالم، وكل دولة لها قدر مُعين من هذه الموارد، وقد حلت نظرية التجارة الدولية النسبية والمطلقة النقص الذي تعاني منه كل دولة من تلك الموارد، وذلك من خلال التبادل التجاري للسلع والخدمات مما أدى إلى انتقال السلع والخدمات إلى جميع الأفراد في العالم، وهذا الأمر ساهم كثيراً في بناء مجتمعات تنموية مستدامة وحسنت من الحياة الإنسانية.
ومملكة البحرين اليوم كما أكد سموه في رسالته تنتهج نهجاً تنموياً وطنياً ساهم كثيراً في توفير الحياة المعيشية الكريمة والإنسانية للمواطن البحريني عبر مجموعة من البرامج الحكومية والخطط الاقتصادية التي عملت على تحقيق نهضة اقتصادية في البلاد متوافقة مع رؤى ومبادئ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك عاهل البلاد المفدى، مما سيكون لهذه النهضة المردود الإيجابي الأكثر مستقبلاً وسيعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطن البحريني وتطور البحرين وتقدمها في جميع المجالات. ويأتي منح هيئة الأمم المتحدة جائزة الأهداف الإنمائية الألفية لسموه الكريم بمثابة اعتراف دولي بدوره الوطني والإنساني تجاه وطنه وشعبه وحافزاً للاستمرار في هذا النهج الهادف إلى تحسين مستوى حياة المواطن البحريني الذي يلقى كل رعاية واهتمام من لدن القيادة السياسية للبلاد. وهذه الجائزة تتلاقى مع أهداف الجائزة التي وضعها سموه لدعم المبادرات التنموية لكونها تساهم في تشجيع البرامج المخصصة لمشاريع التنمية المستدامة في الدول النامية. إنه الإنسان الذي يعمل من أجل الإنسان.