بعيداً عن ضجيج ما يجري بالبحرين وتعقيداته، بل وحتى التواءاته وفي إصرار يقترب من الرغبة في صنع معجزة، تتأهب مجموعة مختارة من المؤسسات البحرينية يصحبها عدد من الحرفيين في قطاع الاتصالات والمعلومات، كي يشارك الجميع في معرض «جايتكس 2012»، الذي انطلق في العام 1981 من إمارة دبي والذي يعتبر اليوم من أهم معارض قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الشرق الأوسط. سيبحث مؤتمر جايتكس هذا العام، الذي تستمر أعماله هذا العام خمسة أيام من 14 – 18 أكتوبر، أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على عملية التنمية والتنافسية في دول المجلس. وينعقد، كما تقول عنه الشركة المنظمة بمشاركة واسعة من كبار الخبراء في صناعة تكنولوجيا المعلومات من المنطقة والعالم إلى جانب المتحدثين الإقليميين والعالميين، تحت شعار «نحو مجتمع معلوماتي وتكنولوجي متكامل». يشارك في جايتكس، كما تقول صفحة موقعه الإلكتروني، 138 ألف حرفي في نطاق الاتصالات والمعلومات، أتوا من 144 دولة، تصاحبهم شركات من 77 دولة، يشكلون في مجموعهم 80% من العلامات التجارية الرائدة في القطاع ذاته، سوية مع ما يربو على 18 ألف صاحب قرار يتوزعون على الأسواق العمودية ذات العلاقة بذلك القطاع الحيوي والمتنامي على نحو متسارع الخطى في منطقة الشرق الأوسط.
يقف وراء هذا الرسول البحريني، إن جاز لنا التعبير، إلى جايتكس مجموعة من المؤسسات والأفراد، التي أصرت على أن يكون للبحرين حضورها المميز، في هذا الحدث الشرق أوسطي الكبير في قطاع الاتصالات والمعلومات.
هناك أولاً مجموعة الشركات البحرينية العاملة في قطاع الاتصالات والمعلومات الخاص، المتوزعة أنشطتها على مختلف أطياف ألوان هذا القطاع، من خدمات ومنتجات، بالإضافة إلى الأجهزة والمعدات، والتي حرصت على أن تسمو على جراحها وآلامها التي تعاني منها جراء الأحداث التي عرفتها المنطقة بشكل عام والبحرين على نحو خاص، وتشد الرحال إلى جايتكس هذا العام، رغم نزيفها المتواصل من تداعيات الأوضاع السياسية، وانعكاساتها المالية على السوق البحرينية. يحمل القطاع الخاص البحريني في مجال الاتصالات والمعلومات من خلال مشاركته هذا العام في جايتكس رسالة واحدة يصر عليها، تقول، «نحن نمثل البحرين، ونصر على الحضور، ونريد أن تكون لنا كلمة يسمعها من سيشارك في جايتكس، بغض النظر عن المصاعب التي نواجهها، والتحديات التي ما تزال تحاول أن تقف عقبة في طريقنا».
تصحب القطاع الخاص البحريني هذا العام، وكما دأبت دوماً، الحكومة الإلكترونية، تحمل في جعبتها الإنجازات التي حققتها في شكل خدمات متميزة، تريد هي الأخرى أن تشارك بها في «الرواق البحريني» في جايتكس. فقد نجحت الحكومة الإلكترونية، رغم موازنتها المتواضعة، مقارنة بدول خليجية أخرى، أن تدشن مجموعة متطورة من الخدمات التي عززت من خطوات البحرين على طريق التأسيس لصناعة عمودية في هذا المجال، تبدأ من نقل الخدمات البريدية من قنواتها التقليدية المحدودة، إلى تلك الإلكترونية المجدية، كي تنتهي بتلك التي تعالج شؤون الحج والعمرة، بعد أن تعرج على خدمات أخرى، تخاطب شؤون مختارة جرى تحديدها بدقة متناهية مثل الاستثمار والأعمال، والتوظيف والأعمال وشؤون البلديات.
لم يكن لهذه المشاركة أن تبلغ الزخم الذي تتمتع به، ويمدها بالقدرة على الاستمرار والنمو، لولا ذلك العامل المهم في معادلة الاستعدادات وهو «هيئة صندوق العمل البحرينية» (تمكين)، التي تحرص، كل عام على تحمل نسبة لا يستهان بها من كلفة حضور شركات القطاع الخاص في تلك الفعالية. لقد أصبح في وسع الشركات الصغيرة والمتوسطة البحرينية النشطة في قطاع الاتصالات والمعلومات، ومن خلال الدعم المادي السخي الذي تحظى به من «تمكين» أن يكون لها حضورها السنوي في جايتكس. بالقدر ذاته، شجع النجاح الذي يحققه «الرواق البحريني» في جايتكس، «تمكين»، والقطاعات الأخرى على تكرار العمل بالمعادلة ذاتها، في معارض ومؤتمرات أخرى ساهمت المشاركة البحرينية فيها، على حفر اسم البحرين واضحاً على لوحة فعالياتها.
بقيت كلمة حق ينبغي أن تقال بشأن مشاركة مجلس التنمية الاقتصادية، الذي يسير من خلال مشاركته في جايتكس، في خط مواز للفئات الثلاث الأخرى، لكنه متكامل معها في تحقيق المهمة الأساسية من وراء المشاركة البحرينية في جايتكس، وهو تعزيز مكانة البحرين في خارطة الاقتصاد العالمي. فبينما يحرص الآخرون، وهو أمر صحيح، على عرض المنتجات والخدمات الوطنية البحرينية على المشاركين في جايتكس، من أفراد ومؤسسات حكومية وشركات تجارية، تتولى مشاركة المجلس مهمة جذب الاستثمارات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الدولية إلى السوق البحرينية، وهي مهمة شاقة ومسؤولية صعبة، وسط تجاذبات الأسواق الخليجية الأخرى، التي تفوق البحرين من حيث الحجم، وتتجاوزها على صعيد القدرة على توليد القيمة المضافة التي تحتاجها تلك الاستثمارات لتوسيع نطاق أعمالها، ومن ثم زيادة نسب أرباحها. تعطي مشاركة المجلس للرواق البحرين بعداً اقتصادياً مميزاً لا يستطيع أحد سوى القيام به.
يواجه المشاركون البحرينيون في جايتكس هذا العام، تحدياً إضافياً له بعد سياسي، يضاف إلى تلك الصعوبات الاقتصادية، وهي إقناع الآخرين من المشاركين والزوار، على أن البحرين ماتزال هي التربة الخليجية الخصبة الملائمة للاستثمار في قطاع الاتصالات والمعلومات، ليس بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فحسب، ولكن نظراً لمهارات مواردها البشرية المحلية العاملة في هذا القطاع بالذات، سواء تلك التي راكمت تلك المهارات على مدى سنوات من العمل في هذا القطاع، أو بفضل ما تزود به الجامعات البحرينية من أيد عاملة كفؤة في القطاع ذاته.
هذا كله يحول رسالة المشاركة البحرينية في جايتكس هذا العام من نطاقها الاقتصادي الضيق نسبياً، مهما اتسع محيطه، إلى الفضاء السياسي الرحب والمعقد في تضاريسه. وتأسيساً على ذلك سيحمل كل مشارك بحريني في جايتكس بطاقتي تعريف مختلفتين، لكنهما متكاملتين، الأولى تجارية تعرف به وباسم الشركة أو المؤسسة التي ينتمي لها، والخدمات التي تقدمها، والأخرى وطنية تقول للزوار، وربما العالم، أننا في البحرين، بفضل تنوعنا الاجتماعي، ونظامنا السياسي، نجحنا في تشكيل باقة ورد تتنوع مكوناتها، وتبدو متنافرة لمن يحاول أن يرى كل وردة فيها على حدة، لكنها لوحة غاية في الجمال، عندما ينظر لها كنظام سياسي اجتماعي متكامل.
الرواق البحريني في جايتكس هو رسول المملكة إلى العالم أجمع، ونجاحه لن يقاس بالمكاسب المادية المالية المحضة فحسب، بل سيضاف له بعداً آخر تحتضنه الرسالة الحضارية التي سيحملها كل مشارك. الرواق البحريني في جايتكس هو رسول تلك الجزيرة الصغيرة في مساحتها الكبيرة بنظامها السياسي/ الاجتماعي، إلى العالم، وليس من حق أي مشارك أن يخذل رسوله الذي يحمل رسالة مقدسة مثل تلك التي سيطير بها البحرينيون إلى دبي