اليوم هو أول أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركات، وكنت أتمنى أن يكون مقال اليوم بعيداً عن السياسة، وكان في بالي أن أخصصه حول الحديث عن ذكريات العيد، أيام زمان، لكن تصريحات وزير العدل غيرت رأيي وقادتني للكتابة حولها خصوصاً أن كلامه كان يدور حول اللقاءات التي أجراها مع الجمعيات السياسية. لقد وضع وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة النقاط على الحروف حين أكد بصورة واضحة وجلية في تصريحاته الأخيرة التي نشرتها الصحف المحلية، على الفصل بين المسار السياسي، والمسار القضائي، وبدد الشكوك حول الشائعات التي كانت تحوم حول لقاءاته الأخيرة بالجمعيات السياسية، والتي تشير في معظمها إلى أن الدولة بصدد إبرام صفقة مع أطياف من «المعارضة»، تقوم الدولة بموجبها بإطلاق سراح المسجونين المحكومين في قضايا جنائية، مقابل عودة هذه الأطياف إلى ممارسة العمل السياسي، والدخول في البرلمان. وكان الوزير صريحاً وواضحاً في ذلك حين قال إن «جميع الإجراءات القضائية حيال القضايا المنظورة أو قيد التحقيق منفصلة تماماً عن المسار السياسي، وأن جميع الأحداث الماضية التي لاتزال منظورة أو المستجد من القضايا هي دعاوى جنائية، والكلمة الفصل فيها للقضاء وحده، وشدد على الاحترام الواجب للقضاء وقراراته وأحكامه، وإرساء لحكم العدالة وسيادة القانون وحفظ الحريات وحماية حقوق جميع الأطراف». الآن، وقد أوضح الوزير حقيقة اللقاءات التي جمعته مع الجمعيات السياسية في أيام رمضان المباركة، وأهدافها فإنه لم يعد هناك أي مبرر للشائعات التي يطلقها أصحابها بهدف تشكيك الأطياف السياسية الأخرى بتوجهات الحكومة وحراكها نحو المصالحة والحوار، وكما جاء في حديث الوزير بهذا الشأن فإن «موقف الحكومة من الحوار واضح وجلي، ومبني على أساس مبدأ التوافق، الذي سيبقى هو الميزان الوطني الجامع» حسب تعبير الوزير. ونفهم من هذا أن القرارات التي سيعتمدها الحوار الوطني فيما لو تم عقده في المدى المنظور لن تكون لصالح طرف على حساب طرف آخر، وهذه رسالة أراد الوزير من خلالها أن يطمئن بها رجل الشارع العادي قبل النخب السياسية، بأن الدولة لن تسمح لطرف سياسي ما أن يفرض أجندته السياسية على بقية الأطراف السياسة الأخرى، وفي الوقت ذاته أراد أن يؤكد أن الدولة لن تتدخل في أحكام القضاء. وفي جانب آخر، أراد الوزير من حديثه أن يمرر رسالة إلى النخب السياسية وهي أن دعوته للجميع للمشاركة في اللقاءات التي يجريها مع الجمعيات السياسية هي تأكيد على أن الدولة لا تريد إقصاء أحد من الأطياف السياسية من المشاركة في العمل السياسي، وشرطها الوحيد هو الالتزام بمبدأ التوافق الوطني، ونبذ العنف ورفضه، بصورة حاسمة وحازمة. ولا أعتقد أن مثل هذين الشرطين يتعارضان مع أسس الديمقراطية القائمة على احترام القوانين والرأي الآخر، ولا يختلف اثنان من منظري الديمقراطية على أن احترام القوانين ونبذ العنف من سمات الدولة الديمقراطية. لذا نقول، حتى الذين يبررون العنف لبعض الجماعات السياسية، هم على قناعة تامة بأن هذا السلوك لا ينسجم مع مطالب الإصلاح التي ينادون بها، ولكنهم لا يدينون العنف، لأنهم يعتقدون أن استخدام ورقة تأجيج الشارع هي الطريق الأسهل والأمثل للوصول إلى غاياتهم، وليس الجلوس على مائدة الحوار، ولذا فهم يستخدمون هذه الورقة كوسيلة ضغط على الحكومة وفي ظني أن هذا الاعتقاد غير صحيح، ويخطئ من يعتقد أن هذا الأسلوب سيجبر الدولة في النهاية على الرضوخ والاستجابة لمطالب أحد الأطياف السياسية، من دون التوافق عليها من بقية الأطياف الأخرى. وهناك تجارب عديدة أثبتت فشل هذا الطريق، فالأيرلنديون جربوا العنف ضد الإنجليز في الحصول على مطالبهم، ففشلوا وجربوا الحوار والتفاوض معهم فحصلوا على مرادهم. لذا نقول للجمعيات السياسية التي تتخذ من الشارع ساحة لانطلاق حراكها السياسي أنه آن الأوان لإسقاط هذه الورقة من أيديكم، لأنها لم تعد مجدية، وأنه ليس أمامكم حالياً من خيار للخروج من هذا المأزق سوى نبذ العنف، والانخراط في العمل السياسي السلمي، خصوصاً أن الدولة لاتزال تمد يدها إليكم، وخير دليل على ذلك هو دعوة وزير العدل لكم أسوة بالجمعيات السياسية الأخرى التي لم تتورط في «أحداث فبراير». كما إن حديثه الأخير للصحافة المحلية يمكن أن نستنتج منه أن الدولة لن تتراخى في تطبيق القانون، وأنها ماضية في محاسبة كل من تسول له نفسه بالخروج على القانون. كما إنها في الوقت ذاته، لم تغلق باب الحوار وأنها على استعداد لسماع وجهة نظر جميع الأطياف السياسية، مادام أنها تلتزم بالمبادئ الأساسية للحوار، والتي من أهمها التوافق الوطني