في الوقت الذي تعلن فيه إيران الرسمية يومياً عن إطلاق أقمار صناعية وصواريخ باليستية طويلة المدى وقصيرة المدى ومتوسطة المدى، بعضها يصل إلى إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، وأغلبها يصل إلى دول الخليج العربي المجاورة، تجتاح إيران موجة غلاء فاحش للمواد الأساسية، أدت إلى اختفاء اللحوم والدجاج، وتضاعف أسعارهما عدة مرات، بما حدا ببعض رجال الدين البارزين إلى التأكيد بأن لحم الدجاج يضر الإنسان كثيراً ويجعل الشخص فاقداً الرجولة والذكورة، ومطالبة الشعب بالتالي بعدم أكل الدجاج نظراً لأزمة فقدانه من الأسواق وغلاء سعره عدة أضعاف. السلطة القضائية بدورها حذّرت الذين يريدون المشاركة في الاعتراضات ضد الدولة بسبب الغلاء، معتبرين الاحتجاج عملية ممنوعة ومخالفة للقانون فعلياً، فيما قال خطباء صلاة الجمعة إنه “لا يجوز الاعتراض على النظام بسبب الغلاء، لأن مثل هذا الاعتراض هو مطلب أمريكي وصهيوني”. ودعا خطباء الجمعة المواطنين “لأكل البصل والخبز فقط ونسيان أكل اللحم والدجاج”، وقال أحدهم “هل نسيتم أننا كنا قبل الثورة نأكل اليخنة المكونة من الماء الساخن والزيت والبصل والخبز فقط!”.
نواب في مجلس الشورى، بدلاً من الدفاع عن المواطنين وشجب الغلاء وشح اللحوم والدجاج، أعلنوا في بيان لهم “ضرورة تحمّل الغلاء وشح المواد الغذائية”، وزعم هؤلاء أن “الشعب يستطيع أكل الحبوب والخضراوات بدلاً من اللحوم، لأنها أساساً مضرة للإنسان”!!
إنهم يستعبدون العامة وضعاف العقول والثقافة. إنه استعباد واستبلاه حقيقي لعقول البشر الذين يعانون من الفاقة والجوع في محاولة لتزييف الواقع أو تزيينه وتجنب تحميل السلطة مسؤولية المغامرة بالشعب والدفع به إلى الحروب عدمية لا طائل من ورائها بدلاً من أن يستمتع بما يمتلك من ثروات هائلة مثل بقية الشعوب الأخرى.
واقع الحال أن نظام الولي الفقيه المطلق الحاكم في إيران يستطيع أن يعمم أي شيء ويحلل أو يحرم أي شيء، يبيح أو يقيد أي شيء، وإذا ما قال إن الموز يهدر الكرامة الإنسانية، وأن الدجاج يخفض نسبة الرجولة، فلابد أن يكون ذلك صحيحاً، حتى وإن كان مجرد ديماغوجية كاملة الأوصاف. الولي الفقيه -كما هو مطبق في واقع الحال- بإمكانه أن يلغي القانون عندما يرى أن ذلك من مصلحة الإسلام والمسلمين، وهي مسالة تقديرية خاصة به لوحده دون غيره، وبالإمكان فرض أي شيء أو إلغاء أي شيء شرعياً كان أو سياسياً أو اقتصادياً إذا ارتأى الولي الفقيه ذلك، وهذا باختصار لا يمكن أن نسميه إلا بالديكتاتورية المطلقة، وبناء عليه فأوامر الولي الفقيه تعتبر في حكم القانون، وهي مقدمة عليه في حالات التعارض معه، لأن الولي الفقيه فوق الدستور، ولو تعارض الولي الفقيه مع الدستور فالدستور هو الذي يتغير.
المصيبة أن المطلوب من الناس أن يصدقوا كل هذه الخرافات والخزعبلات في إطار تعبيرهم عن انتمائهم وهويتهم الدينية والطائفية، بل حتى تعبيرهم عن وطنيتهم في مواجهة الأعداء الحقيقيين والوهميين حتى وإن كانوا من طواحين الهواء.. المصيبة الأخرى أن هؤلاء الديماغوجيين يستحضرون الله في الأرض ويتكلمون باسمه استخفافاً بجمهور الناس البسطاء.
همسة
أول من استخدم مصطلح “الديماغوجية” هو أفلاطون خلال انتقاده للنظام الديمقراطي في أثينا والذي كان يقوم على أساس الكذب على الناس عبر الخطب المنمقة التي يلقيها رجال السياسة والدين، معتبراً أن الجزء الأكبر من الشعب عرضة للتأثر الشديد بالخطب المنمقة والعبارات الرنانة التي يستخدمها قادته ومن ثم فهو يشكل آراءه ويتخذ قراراته ويصدر أحكامه متأثراً بما تقوده إليه انفعالاته لا بما يمليه عليه العقل. من هذا التحليل جاء الاستخدام المعاصر لـمصطلح “الديماغوجية” التي تستخدم في إثارة عواطف الناس واللعب بمشاعرهم، ويعتبر “ديماغوجياً” كل شخص يسعى إلى الوصول للسلطة عن طريق الخطابات المنمقة والرنانة والمهارة الخطابية الإنشائية متحكماً بانفعالات من يستمع إليه، كما تؤكد العديد من الدراسات أن “الديماغوجي” لا يهتم إلا بالوصول إلى السلطة وفي حال تمكنه من التسلط على جهاز السلطة يسير بالناس نحو عواقب وخيمة لا تحقق مصالح الشعب بل مصالحه الشخصية.