بقطرها الذي يصل لـ 3 أمتار أحياناً؛ تستطيع ورقة زنبق الماء المستديرة حمل عشر كلجم وهي طافية في برك المياه الضحلة مجاورة لمثيلاتها في دوائر لامتناهية، وفي دراسة من مجلس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في منتصف يونيو 2012 حسمت واشنطن إدراكاتها العسكرية لما يجري في الخليج بتطبيق استراتيجية ورقة زنبق الماء “lily pad” في المنطقة، ورغم أن خطوطها العريضة قد وضعت في عهد الرئيس بوش الابن؛ إلا أن الجديد هو أن تكون الكويت ورقة زنبق الماء الخليجية، فماهي هذه الاستراتيجية؟ وكيف نقرأ دوافع تطبيقها حاليا بين المكاسب والتبعات؟ لقد أدارت وزارة الدفاع الأمريكية 860 قاعدة خارج أراضيها، لكنها بدأت في التحول من القواعد العسكرية الضخمة إلى قواعد أصغر حجماً وأكثر عدداً، وهذا هو جوهر استراتيجية ورقة الزنبق التي تعتمد على السماح للقوات الأمريكية بالتحرك المرن بسرعة من إحدى ورقات الزنبق المنتشرة قرب المناطق الساخنة لوقف خطر يهدد مصالح أمريكا، وتستخدم هذه القواعد الصغيرة لتكون نقطة عمليات عسكرية “هجومية” لنقل القتال لأرض الخصم، ومن جدوى ذلك شن الهجمات في أي وقت دون تكبد كلفة القواعد الكبيرة التي تحرج الدول التي تحتضنها، ويستعاض عن كثرة القوات برفع قدرة وحدات المناورة. ورغم أن مصادر عسكرية كويتية قد قالت في 15 يناير 2012 أنه لم يتم الاتفاق على هذه الاستراتيجية، وأن القوات الأمريكية تعبر الكويت في طريقها إلى بلادها، إلا أن التحديات السياسية والأمنية المستجدة قد غيرت على ما يبدو من موقف الكويت، فبالإضافة الى موقعها شمال الخليج تتمتع الكويت بعلاقات جيدة مع واشنطن، كما يرابط فيها بناءً على الاتفاقية الأمنية أكبر حشد عسكري أمريكي يبلغ 15 ألف جندي، ومرجح تخفيضهم بناءً على ورقة الزنبق إلى 13500 جندي مقارنة بـ 7000 جندي في البحرين ومثلهم في قطر و3000 جندي في الإمارات و258 بالسعودية، وقد عجل بهذه الخطوة، تشكّل مناخاً ملائماً لاحتضان الكويت لهذه الاستراتيجية كان من مظاهره: 1- الفراغ الاستراتيجي في العراق نتيجة إخفاق إدارة أوباما في التوصل الى اتفاق مع الحكومة العراقية يسمح بوجود عسكري محدود، وفي غياب سلاح جو عراقي فعال بلغ الفراغ أقسى درجاته بخلق جيرة جوية غير ودية في سماء العراق بين مقاتلات إيران والكويت وشمال السعودية. 2- وقف النفوذ الإيراني؛ حيث أشار الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة حين برر التواجد في الكويت قائلاً: “لن أصف الأمر بأنه علاقة سببية استناداً الى ما حدث في العراق فحسب، لكنه نتيجة القلق المستمر من تنامي نفوذ إيران”، وكانت زيارة أبو موسى ومظاهرات البحرين وشبكة التجسس بالكويت، من مفجرات النزاع الجديدة بين الطرفين، يضاف لها تبعات حصار طهران اقتصادياً ونفطياً ودبلوماسياً، ثم عثرة محادثات طموحها النووي في موسكو مؤخراً، إضافة لضرورة كبح جماح قوتها العسكرية. 3- أخذت مدينة الصواريخ السورية قرب حماة تكشر عن أنيابها “البالستية” في وجه مدن الخليج نتيجة موقفهم المندد بنظام دمشق، وفي غياب حائط صواريخ خليجي كالمصري في حرب 1973، يصبح التجهيز الأخير لصواريخ “توما هوك” الجوالة في الخليج أمراً مقبولاً، بل ويصبح من المحتم إعادة النظر في عرض واشنطن إنشاء الدرع الصاروخية الخليجية، بل وعلى عجل كما فعلوا مع الكيان الصهيوني. 4- ما زالت تبعات زلزال الربيع العربي تحفز كثيراً من الهزات الارتدادية في الخليج، حيث اعتبر توني كوردسمان عدم الاستقرار من ضمن دواعي التواجد الأمريكي، إضافة لقيام الإرهاب بنصب مكينة تفريخ جديدة في سوريا، حيث قامت القاعدة و لواء عاشوراء وجماعة اليوم الموعود وجماعة عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي بصف بيضها انتظاراً لتفريخه، ثم نشره في المنطقة. لقد قال ديمبسي بضرورة تناوب القوات في الكويت بشكل دوري عبر استراتيجية ورقة زنبق الماء، ولا تعارض الاتفاقية الأمنية التي يعاد تجديدها بين البلدين كل عشر سنوات ذلك، لكن هناك تبعات يجب على صانع القرار الكويتي ملاحظتها: 1- ستكون الكويت نقطة للتدريب والإمداد والتموين وانطلاق لقوات الصفوة للمواقع الساخنة، وهي ليست قوات قتالية فحسب؛ بل هجومية، مما يعني أن الكويت ستكون أرض المعركة ومركز تلقي ردات الفعل والهجوم المضاد. 2- كانت المشاكل القانونية وإصرار الأمريكان على حصول منتسبيهم على الحصانة من الوقوف أمام القضاء العراقي من أسباب عدم الاتفاق على تمديد تواجد القوات الأمريكية هناك، مما يجبرنا على طرح السؤال نفسه في حال تفعيل استراتيجية ورقة زنبق الماء في الكويت. 3- ركزت دراسة مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس على الأمور المالية في 37 صفحة، مشيرة لرصد مساعدات لتعزيز التنمية في البلدان التي تحتضن القوات الأمريكية، كما تتحدث عن تقاسم العبء في العمليات العسكرية، فهل يساوي ثمن التسهيلات التي تتلقاها واشنطن في الكويت الكلفة المالية التي ندفعها نظير الاتفاقية الأمنية كل عشر سنوات؟ مع الأخذ بعين الاعتبار تساوي مصلحة الكويت، ومصلحة أمريكا من وجود القوات. رغم استمرارالظهورالعسكري الأمريكي فيها مستقراً أو ماراً للعراق، إلا أن الكويت في العقد الماضي كانت خارج فصيل حملة السلاح الأمريكي في الخليج، تاركة المقدمة للإمارات والسعودية، فهل ما يجري هو مرحلة افتتاحية لفصل جديد شخوص الرواية فيه محسوم مسارهم؟ وهل تتعدى استراتيجية واشنطن القادمة لأمن الخليج شواطئة لتفرض من الكويت استقرار الجوار كالأردن وسوريا ومصر واليمن والصومال والقرن الأفريقي في عودة لافتة لدوائر وأقواس الأزمات “الكسنجرية” زمن الحرب الباردة، وهل الكويت الزنبقة قادرة على حمل خطط واشنطن دون الغرق؟ المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج