يحتل يوم الثلاثاء 6 من شهر نوفمبر 2012 موقعاً مهماً في التاريخ الأمريكي، فهو يصادف موعد انعقاد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية للسنوات الأربع التي تليه. وتتميز مناسبة هذا العام بتقارب فرص المرشحين المتنافسين: عن الديمقراطيين الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، ومن طرف الجمهوريين ميت رومني. فقد بين “استطلاع أجراه موقع ريل كلير بوليتكس أن أوباما يتقدم بهامش ثلاث نقاط على المرشح الجمهوري ميت رومني -47 إلى 44 بالمائة- قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات”.
وتتفاعل العوامل الداخلية مع تلك الخارجية التي يعول عليها كلا المرشحين لترجيح كفته على منافسه. فمن الطبيعي أن يستخدم أوباما بعض أوراقه الناجحة، مثل مشروع الخدمات الصحية، ونجاحه في وضع حد لأسطورة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، على الأقل في ذهن المواطن الأمريكي البسيط، وبالمقابل من المتوقع أن يركز رومني على عثرات منافسه، فيستعين بأرقام ارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة، وعجز الإدارة الأمريكية الحالية عن لجم “الجموح الإيراني”، فيما يتعلق بالملف النووي.
ونظراً للمكانة التي تتمتع بها واشنطن في خارطة العلاقات الدولية، فمن الطبيعي أن يحظى العنصر الخارجي بحصة مميزة في ساحة الصراع بين الخصمين المتنافسين. وبالتالي، وكما يجري عادة في فترة التنافس، يحاول كل من المرشحين استمالة الجاليات الأجنبية المقيمة في الولايات المتحدة، لكن يحق لأفرادها التصويت بحكم نيلهم الجنسية الأمريكية، لصالح حملته، من خلال المشروعات الواعدة التي تخاطب همومها، على المستويين الداخلي الأمريكي، والخارجي المتعلق بالبلد الذي قدم منه أفراد تلك الجاليات.
ومن بين الكتل السكانية التي باتت تحظى بمكانة خاصة في الخارطة الانتخابية لكرسي الرئاسة، هي الجالية العربية، التي تواجه بحملات مسعورة من جماعات الضغط اليهودية، التي لا تكف عن مساعيها الهادفة إلى تقزيم الحضور السياسي للجالية العربية، كي تضمن انحياز المرشح الفائز لجانبها عندما توضع قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي على طاولة صنع القرار في البيت الأبيض.
المحزن في الأمر أنه، وبالرغم من وجود جالية عربية تقطن الولايات المتحدة لما يزيد على القرن من الزمان، ولها حضور سياسي لا يستهان به، لكن تأثيرها في مسار انتخابات الرئاسة الأمريكية، مايزال ضئيلاً، مقارنة مع ذلك الذي تتمتع به مؤسسات الضغط اليهودية. البعض منا يرجع ذلك إلى قوة الأوراق، وفي مقدمتها المال والإعلام التي بين يدي تلك المؤسسات اليهودية، والتي عززت من عناصر قوتها على مدى أجيال، مما يجعل إمكانية منافستها، دع عنك هزيمتها، أمراً شبه مستحيل.
في ذلك القول بعض الصحة، لكن ما يغيب عن ذهن هؤلاء المتشائمين هو أن بين يدي العرب أيضاً، أوراقاً قوية، متى ما أحسن استخدامها، وجرى تحصينها بشكل علمي ممنهج، يمكن أن تشكل قناة تعاون بين الطرفين، يصعب على جماعات الضغط اليهودي في الولايات المتحة منافستها، دع عنك أيضاً هزيمتها. إذ إن هناك من المصالح المشتركة بين العرب والأمريكان، ما يمكن أن يشكل قاعدة راسخة لعلاقات استراتيجية تحقق للطرفين أهدافاً طويلة المدى، تفوق في أهميتها، في بعض الجوانب، تلك التي تمتلكها أمريكا مع إسرائيل.
أول تلك الأوراق هي النفط، فبحوزة العرب، وخصوصاً دول الخليج العربي، ما لا يقل عن 60% من الاحتياطي العالمي للنفط، ويمتلكون أيضاً، ككتلة عربية فيما لو تماسكت، حوالي 25% من أسواقه، وبالمقابل تعتمد واشنطن، بموجب أسوأ التقديرات، على ما لا يقل عن 35% من حاجتها للطاقة من مصادر خارجية. هذا يعني أن هناك مصلحة استراتيجية مشتركة طويلة المدى تتمحور حول سلعة استراتيجية هي النفط، بين المالك وهو الطرف العربي، والمستهلك وهو الشريك الأمريكي، يمكن أن تتحول، عندما يحسن التفكير في أوجه استخدامها، إلى ورقة قوية لتعزيز الحضور العربي في تلك الانتخابات الرئاسية، بدلاً من حالتها الراهنة التي تضع العرب في خانة الطرف المبتز المستغل لتلك الحاجة الأمريكية، وهو ما يروج له الإعلام الصهيوني، ويحاول غرسه عميقاً في ذهن المواطن الأمريكي.
ويتمخض النفط، عن ورقة هي الأخرى قوية، وهي السيولة النقدية التي يمتلكها العرب الناجمة عن الفوائض المالية النفطية، مقابل شحة تلك السيولة في الخزينة الأمريكية، وخاصة في المرحلة الراهنة، التي يضاعف من سلبياتها تردي أداء الاقتصاد الأمريكي، وما يرافقه من استمرار ارتفاع نسب البطالة، وتراجع نسب ولادة فرص جديدة في أسواق العمل الأمريكية. كل ذلك يجعل من أمريكا طرفاً في أمس الحاجة لتلك السيولة، ويفتح، في الوقت ذاته، أمام الرأسمال العربي فرصاً استثمارية في سوق واسعة، مثل السوق الأمريكية، تستمد قوتها من اقتصاد متنوع متعطش لمثل تلك الاستثمارات.
هذا على المستوى الاقتصادي، الذي يمكن أن يضاف له ذراعه التي لا يستغني عنها ذات البعد العسكري، حيث يرتبط العديد من الدول العربية، باتفاقيات تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، مع الولايات المتحدة، ولا يقتصر الأمر على مجرد استيراد للمعدات العسكرية، بل يشمل أيضاً، بالإضافة إلى ذلك التدريب، وهو مسألة لا يستهان فيها، لما لها من تأثير على صياغة الذهنية العسكرية لأفراد الدولة التي تتلقاه، ومن ثم انعكاس ذلك على استراتيجيتها الحربية. على نحو مواز هناك القواعد العسكرية الأمريكية المقامة على أراض عربية بموجب اتفاقيات مبرمة، يتجاوز عمر البعض منها، كما هو الحال مع البحرين، النصف قرن، وهذه هي الأخرى يمكن أن تشكل أداة رافعة لتحسين العلاقات بين البلدين بدلاً من تأزيمها.
هذا البعد العسكري، بأذرعه الثلاث؛ التسليح، التدريب، والتسهيلات العسكرية، يكون مجدياً، ومبرراً أيضاً عندما يتم وفق قيم شفافة أولاً، تؤمن الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة مهما كانت صغيرة ثانياً، ولا يشوبها أي شكل من أشكال الفساد ثالثاً وليس أخيراً.
الانتخابات الأمريكية باتت على الأبواب، وليس هناك ما يبرر استمرار العرب في سياساتهم الدفاعية، القائمة على التضخيم غير الواقعي وغير المبرر أيضاً لمحركات جماعة الضغط الصهيوني. ليس هناك من يدعي أن مثل هذه المعركة بسيطة، بل واقع الأمر يؤكد أنها على العكس من ذلك، ومن ثم نتوقع لها أن تكون معاركها ضارية، ومواجهاتها ساخنة، مما يتطلب استعدادات حقيقية تقوم على دراسة علمية للساحة الأمريكية، وتبني استراتيجتها على تلمس سليم للمنافذ التي يمكن أن تتسلل منها كي تصل إلى ما يصبو له المواطن العرب من أهداف، يقع في القلب منها تغير نوعي ملموس لصالح الطرف العربي في موازين الصراع العربي الإسرائيلي.
هذه الهوامش المشتركة قائمة وتتمتع بالمرونة الكافية التي تبيح لها الاتساع والتمدد، لما فيه المصلحة المشتركة للأطراف التي تعمل في نطاقها. لكن لن يستفيد منها الاستفادة الحقيقية المرجوة منها، إلا أولئك الذين يحسنون السير في ساحاتها، ويتقنون العمل وفق قوانينها، وينشطون في انسجام مع آليات محركاتها