عندما طرحت الكاتبة سوسن الشاعر موضوع عزلة القرية البحرينية على محك الدراسة، وبغض النظر عن طبيعة النتائج التي توصلت إليها على الصعيد السياسي، فإن هذا الطرح جدير أن تأخذه الدولة مأخذ الجد، من حيث مسؤوليتها عن تطوير وتنمية القرية البحرينية، وكسر حلقة العزلة عن تيار الحداثة والانفتاح.
هذه العزلة -سواء تمت عن قصد أو غير قصد- كانت نتائجها الاجتماعية والسياسية سلبية على أكثر من صعيد، خصوصاً وأنها تترافق مع مستوى منخفض من الخدمات العامة والبنية الأساسية، بما يجعلها أدنى من مثيلاتها في المدن والتجمعات السكانية الحديثة، ما يعزز الشعور بالغبن وعدم الرضاء وبما يجعل من القرية بيئة مناسبة لنمو الاحتجاج.
قد تكون هنالك مجموعة من الإرادات التقت دون قصد، لتخلق هذا الوضع؛ إرادة الحفاظ على خصوصية القرية وتركيبتها العائلية - الاجتماعية، وإرادة الإبقاء على السيطرة الطائفية لجماعات السيطرة التقليدية، وإرادة الإبقاء على حركات الاحتجاج بعيداً عن المناطق الحضرية التي بها نشاط اقتصادي حيوي يخشى أن يتأثر، يضاف إلى ذلك أن تراجع الأنشطة الاقتصادية القروية التقليدية وتدمير البيئة الزراعية وتآكلها قد يقلص أفق تحويل القرى إلى مدن مزدهرة نامية، وزاد من حدة هذا الأمر تنامي دعوات أسهمت في تعزيز عزلة القرية على نحو دراماتيكي: فكرة امتداد القرى التي كانت في لحظة إعلانها ودعمها تعبيراً عن إرادة (طائفية) تخدم هذه العزلة، وجهود زيادة عدد البيوت في الدوائر الانتخابية لأسباب انتخابية صرفة استجابة لرغبات بعض النواب، وكذلك آلية الترخيص لإنشاء دور العبادة دون معايير موضوعية معقولة خدمت هذه العزلة، إصرار البعض على المطالبة ببناء مدارس صغيرة في القرى والمناطق السكانية الصغيرة يزيد من فرص هذه العزلة -في حالة الاستجابة لها- بما يقلل من فرص الاختلاط والدمج الضروريين، لنمو المجتمع المديني الذي هو الفراش الطبيعي للانفتاح والحداثة والديمقراطية.
وما هو الحل إذن؟
الحل يبدأ من التنمية الحضرية للقرية وليس بتقليص حضورها على الخارطة، الحل في إخراج القرية من بؤسها وتحرير الناس فيها من الحاجة بخلق مشاريع كبرى تحولها مدناً مزدهرة قادرة على الجذب والنمو، والخطر يبدأ بإهمال القرية لتتحول إلى بيئة للبؤس والغضب والاحتجاج المزمن.
الحل يبدأ بالتوسع في بناء مدن مختلطة، وعدم الخضوع للمخاوف الوهمية وللدعوات الطائفية التي تعزز العزلة وتدعو إلى بناء جدران فصل طائفي وهمية، وعندها تنشأ مدن وقرى مختلطة سكانياً ومزدهرة تنموياً وعندما تنشأ مدارس ومشاريع مختلطة تزرع المواطنة والتضامن الوطني وتحارب الطائفية وترفضها، فإن ذلك سوف يساعد على تحرير الفرد من سلطة العزلة التي تخنقه، ومن سلطة الطائفيين الذي يستغلون تلك العزلة ويوظفونها لمصلحتهم السياسية والمادية والطائفية لبسط الهيمنة والإبقاء عليها.
والحل يكون في الوقوف في وجه الطائفية، إلا أن الطائفية لا تلغى من تلقاء نفسها، والعدالة -وكذا الديمقراطية- لا تتحققان إلا في مجتمع يتساوى أفراده أمام الدولة والقانون، والشرط الضروري لهذه المساواة هو إلغاء كل وسيط بين الفرد والدولة وعلى رأسها الطائفية.
الحل إذاً اقتصادي وسياسي واجتماعي وتشريعي وثقافي أيضاً، ويمكننا أن نبدأ مثلاً بإعادة النظر في قانون الجمعيات ومنح الجمعيات التي تأسست وماتزال تعمل إلى اليوم على أسس طائفية 6 أشهر لمعالجة هذا الخلل أو مواجهة الحل، بعد أن يتم إقناع المجتمع بذلك من خلال حملة واسعة وعقلانية تبين مخاطر التنظيم الطائفي للحياة السياسية.
الحل يحتاج إلى إرادة وإلى إمكانيات وموارد وقبل ذلك إلى شجاعة، فهل نمتلكها لنتحرك في اتجاه معالجة هذا الخلل الذي يسهم في بناء جدران الفصل الطائفي بين المواطنين.