يعتبر الحوار وسيلة من وسائل حل الأزمات السياسية، والحوار المطلوب اليوم بين القوى السياسية، وبدلاً من استخدام الحوار والقبول به كوسيلة للتهدئة، فإنه ما زال البعض يُمارس سياسة رفض الحوار ويضع العقدة في المنشار، متناسياً أن للحوار قيمة حضارية وأنه ذو منافع وطنية، وأن هذا التعنت والرفض يوضع البلاد في أزمة تدفع البلاد واقتصادها ثمن تداعياتها، بل إنها تريد أن تكيف الحوار بمزاجها الأيدلوجي وبما تراها الأجندات الأجنبية التي يعملون في ظلها. واليوم جميعاً كدولة وشعب وكبشر نحتاج إلى الحوار من أجل عودة البحرين إلى حالتها الطبيعية، لذا يجب أن نضع له الآليات السليمة وأن يسير وفق استراتيجية تحمل في محتواها أهداف الحوار بعيداً عن نوايا التشكيك والتفكيك وبعيداً عن استنزاف الوقت وتحوير الأهداف وتحريف الوقائع وتأجيجها.
إن العمل السياسي هو فن الممكن وليس التمسك بالرأي وتهميش الرأي الآخر وإقصائه، والحوار الذي ينشده طرف ويرفضه الطرف الآخر لا يعني إلا التمسك بالرأي ورفضه للرأي الآخر، وهذا لا يجعل من الحوار أداة سياسية راجحة ولا يمنحه طابعاً مشروعاً لحل الأزمات، بل يكسبها مزيداً من التأجيج وينسف أهدافه، ويُعزز من مشروعية التفكيك والفوضى، ومن ثم يعمل على إبعاد البلاد عن وحدتها الوطنية وجعلها تعيش في أتون الطائفية وإغراقها في مناخات عبثية، وعندها تتحول البلاد إلى دكاكين طائفية ومؤسسات أيديولوجية متنافرة تعمل على تفكيك قيم المجتمع واجتثاث منابعه الفكرية وتبيح كل ما هو سيء وتنشر كل ما هو مشوه.
إن أحد الحلول لتجاوز ما تعانيه البلاد من أزمة سياسية وتفكك اجتماعي هو الحوار، وصحيح أن المتحاورين سيبثون إشارات اختلافاتهم على طاولة الحوار وستكون هناك حالة جذب وشد بين الطرفين، ولكن في النهاية سيكون هناك اتفاق ما، لأن الحوار في جميع الأحوال هو حالة صحية للوصول إلى أفضل النتائج من أجل اختبار استراتيجية مثلى لطريق وطني يسعى إليه الجميع، ويتطلب هذا الأمر من كل فكر واتجاه أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين، وكلما كان المتحاورون صادقين سيكون الحوار صادقاً وستغدو النتائج حقيقية أكثر، وعندما يبزغ الاتفاق بين المتحاورين سيتم حل الكثير من المشاكل والأزمات التي تعيشها البلاد. وهذه النتائج المرجوة لن تتحقق بالشعارات والاعتصامات وبالمسيرات وبالبيانات السياسية وبالتصريحات الإعلامية بل ستتحقق عن طريق التنازلات من الجانبين، وهذه التنازلات تمس التنازل عن الفكرة والمبادئ وليست بمثابة استسلاماً، ولن تكون لصالح طرف آخر دون ذاك وإنما ستكون لصالح الوطن وشعبه، فالوطن أكبر من الفكر والمبادئ. وفي ظل أجواء الصراع لن يكون هناك قوي أو ضعيف، ولا منتصر أو منهزم، بل إن الطرفين ضعيفان ومهزومان في ظل هذا الصراع والتجاذب السياسي، لذا فإن القوة والانتصار ستكون باتحاد وتعاون الطرفين من خلال التمسك بمرجعية وطنية واحدة تحكم مسار العمل الوطني في البلاد وتحدد حركتها وعلاقتها مع الآخرين وفقاً للمصلحة الوطنية ونفي أي علاقات أخرى غير وطنية تعمل ضد المصلحة الوطنية.
إن الرابح في النهاية من الحوار الذي يتمناه الجميع هو الوطن وشعبه، ومهما اختلفت أيدولوجيات المتحاورين واختلفت مفاهيمهم الوطنية فعليهم أن لا يختلفوا مع وطنهم ومع سيادته، فيجب أن يكون الوطن هو الرابح لكون الوطن يمثل في حركته ضمير الشعب ومجمل أحلامه الناهضة. ولتحقيق هذا الأمر على الجميع أن ينهض من أجل تحقيق مبدأ “ تعالوا إلى كلمة سواء “، كلمة تجمعنا من أجل الوطن لا تفرقنا بعيداً عن الوطن، كلمة تنهض بها البحرين وتسموا بها بين الأمم، نجتمع تحت ظلال كلمة القوة والعزة والمنعة، كلمة تبعد الأنانية الفردية وتحقق المصلحة الوطنية، وهذه الكلمة موجودة في ضمير كل مواطن، في ضمير المواطن الذي يتصالح مع ذاته والذي يسمو في أفعاله ليجعلها قرباناً يقدمها لوطنه في كل يوم. لنكن من المؤمنين حقاً بعقائدنا الدينية وبأيدلوجياتنا الفكرية، ولنعمل جاهدين من أجل الوصول إلى نتائج مرضية لوطننا ولشعبنا الذي هو هدف الكلمة التي ستجمعنا على طاولة الحوار، والسواء هي نتيجة هذا الجمع الوطني الذي يجمع الطرفين على طاولة الحوار، وسيجني الحوار إنشاء الله تعالى أهدافه الوطنية والإنسانية وستعود البحرين وشعبها إلى عهدها الآمن والمستقر، وسيخيم على دروبها ظلال الوفرة ومنابت الخير، وسيغدو شعبها شعباً واحداً في وطنٍ واحد تحت ظل قيادة سياسية واحدة.